الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد قدمنا تفسير الآية في بعض الفتاوى التي سنحيلك عليها لاحقا، ونفيدك أن هذا الحكم ليس عاما في الأعراب، ولا في من يسكنون خارج القرى، وإنما هو إخبار عن واقع ناس مخصوصين، ولذا ذكر الله بعد هذه الآية ثناء على بعض الأعراب المؤمنين فقال: وَمِنَ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. {التوبة:99}
وبناء على هذا يعلم أنه لا مانع من معرفة أهل الريف والبوادي لكتاب الله وتعاليم الدين، بل شوهد في القرون المتأخرة أن سكان الأرياف والبوادي في بعض البلدان الإفريقية أكثر تعلما للدين وتمسكا به من المدن الكبيرة، وهذا موجود في السودان، وفي بلاد شنقيط (موريتانيا) وغيرها.
وأما اختيار الوالدين فلا دخل للإنسان فيه لأنه أمر يحصل قبل أن يكون له أي شيء من المشيئة والاختيار، ومثله اللون.
وأما اختيار اللغة والبيئة ومكان العيش فإنه يسوغ للمسلم أن يتعلم من اللغات ما يفيده تعلمه، ويتأكد ذلك في تعلم لغة العرب التي تساعده على تدبر معاني القرآن ومعرفة أحكامه، وقد جعل بعض أهل العلم تعلم اللغة أفضل من العبادات القاصرة، واحتجوا لذلك بتفضيل الله آدم على الملائكة بسبب تعلمه الأسماء.
كما يتأكد على المسم ألا يسكن إلا في مكان يقيم فيه دينه، ويجد فيه من يفتيه ويعلمه ما يشكل عليه من أمور الشرع، ويتعين عليه ألا يساكن أهل السوء والفساد، ويتعين عليه ألا يذهب إلى مكان توجد به أمراض معدية، وأما السكن في القرى الصغيرة أو البوادي فلا مانع منه شرعا إن لم يترتب عليه محظور شرعي، وقد يكون أفضل إذا كان عزلة وبعد عن أجواء الفساد بشرط ألا يضيع الصلاة ولا يفرط في الاتصال بأهل العلم لسؤالهم عن أمور دينه ولا في التعاون مع المسلمين على البر والتقوى، ويدل لهذا ما في حديث البخاري: يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن.
وأما أمتي في المدن وبعض القرى فلا نعلمه حديثا، ولم نعثر على أصل له في شيء من دواوين السنة التي بين أيدينا، وراجع الفتاوى التالية أرقامها:62826، 73925، 62938، 72546.
والله أعلم.