الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا ينبغي لهذا الأب تأخير زواج ابنته ما دامت تقدر على تجهيز نفسها ولو جهازًا بسيطاً، وننبه إلى أنه لا يجب على الأب تجهيز ابنته، وانظري الفتوى: 31057 ، ففيها كلام أهل العلم حول من يجب عليه التجهيز، لكن إن جرى العرف بأن المرأة تساعد في تجهيزها أو توقف على مساعدتها في زواجها، فينبغي للأب مساعدتها فيه من باب الصلة والصدقة، ولا شك أن الأولى والأفضل لأبيك هو الجمع بين الأمرين إذا استطاع، فيعينك على الزواج، ويساعدك فيه، ويحج أيضًا لفضيلة الحج وعظم أجره.
وأما إذا لم يستطع الجمع وكان إما أن يعينك على زواجك ولا يحج من عامه، أو يحج ويؤجل زواجك إلى ما بعد فإعانتك على الزواج وإتمامه أولى من حجة النفل إذا كان تأجيل الزواج يضر بك أو تخشين منه حل الخطبة وأنت بحاجة إلى الزواج، وذلك لأمور:
منها: القربة المتعدية أفضل من القاصرة. قال المناوي في فيض القدير: وأشرف المنفعة ما تعلق بالخلق، لأن الحسنة المتعدية أفضل من القاصرة.
ومنها: أن الصدقة على المحاويج أفضل من حج النافلة، نص على ذلك غير واحد من أهل العلم، جاء في الفروع لابن مفلح: سأل حرب لأحمد أيحج نفلًا أم يصل قرابته؟ قال: إذا كانوا محتاجين يصلهم أحب إلي.. وفي العتبية وهي من أمهات المذهب المالكي: سئل مالك عن الغزو والحج أيها أحب إليك؟ قال: الحج؛ إلا أن تكون سنة خوف، قيل: فالحج والصدقة؟ قال: الحج؛ إلا أن تكون سنة مجاعة.. وفي المصنف لعبد الرزاق: عن الثوري وسأله رجل فقال: الحج أفضل بعد الفريضة أم الصدقة؟ فقال: أخبرني أبو مسكين عن إبراهيم أنه قال: إذا حج حججًا فالصدقة. وكان الحسن يقول: إذا حج حجة.
فهذه النصوص تدل على أفضلية التطوع لهذه البنت على الحج لما فيها من الصدقة والصلة، ولأن تأجيل الزواج ربما أدى إلى مفاسد عظيمة كوقوع البنت في الحرام، أو ذهاب الخاطب لمماطلته ونفاد صبره وحاجته لتعجيل الزواج، والحج يمكن تداركه فيما بعد من الأعوام.
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية: أن عبد الله بن المبارك أراد الحج، وفي طريقه وجد بعض الفقراء الذين لا يملكون قوتهم، فأمر برد الأحمال وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ قال: ألف دينار، فقال: عد منها عشرين دينارًا تكفينا إلى مرو وأعطهم الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام ثم رجع.
والله أعلم.