الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا تعارض بين الحديثين، وكيفية الجمع بينهما أنهما يفيدان أن الأعمى إذا لم يجد قائدا معذور في التخلف عن صلاة الجماعة، فعتبان بن مالك رضي الله عنه كان ضرير البصر فرخص له النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة في بيته. والحديث في الصحيحين.
وحديث ابن أم مكتوم الأعمى رضي الله عنه الذي رواه مسلم في صحيحه محمول على أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم الترخيص له في التخلف عن صلاة الجماعة مع حصول فضلها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا أجد لك رخصة، كما ورد في رواية ابن ماجه وصححها الشيخ الألباني، وفي سنن أبي داود أيضا، وقال الشيخ الألباني: حسن صحيح.
وفي عون المعبود شرح سنن أبي داود: هل تسمع النداء أي الإعلام والتأذين بالصلاة، لا أجد لك رخصة، قال علي القارئ معناه: لا أجد لك رخصة تحصل لك فضيلة الجماعة من غير حضورها، لا الإيجاب على الأعمى، فإنه عليه السلام رخص لعتبان بن مالك في تركها، ويؤيد ما قلنا: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له؛ إلا من عذر. انتهى
وفي نيل الأوطار للشوكاني: قوله: فرخص له ، إلى قوله: قال: فأجب، قيل: إن الترخيص في أول الأمر اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، والأمر بالإجابة بوحي من الله تعالى، وقيل: الترخيص مطلق مقيد بعدم سماع النداء، وقيل: إن الترخيص باعتبار العذر والأمر للندب، فكأنه قال: الأفضل لك والأعظم لأجرك أن تجيب وتحضر فأجب...إلى أن قال: وأجاب الجمهور عن ذلك بأنه سأل هل له رخصة في أن يصلي في بيته وتحصل له فضيلة الجماعة لسبب عذره ؟ فقيل: لا، ويؤيد هذا أن حضور الجماعة يسقط بالعذر بإجماع المسلمين، ومن جملة العذر العمى إذا لم يجد قائدا كما في حديث عتبان بن مالك وهو في الصحيح وسيأتي. ويدل على ذلك حديث ابن عباس عند ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمع النداء فلم يأت الصلاة فلا صلاة له؛ إلا من عذر. قال الحافظ: وإسناده على شرط مسلم، لكن رجح بعضهم وقفه. انتهى
والله تعالى أعلم