الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالشيخ عبد القادر الأرناؤوط توفي في 14 شوال 1425هـ في دمشق، عن نحو ستة وسبعين عاماً قضاها في التعلم والتعليم والتحقيق والدعوة، وكان أحد العلماء الذين اشتغلوا بخدمة الحديث النبوي الشريف، وكان أصله ألبانيًا، ونشأ وشب بدمشق وتعلم بها، وكان ذكياً قوي الذاكرة، قال عن نفسه: كنت في فترة الاستراحة بين الحصص المدرسية، أحفظ خمسة أحاديث، كنت متمتعاً بذاكرة طيبة، وقدرة على الحفظ كبيرة بحمد الله تعالى وعونه.
تلقى علومه على يد علماء عصره في الشام، فقد درس على بعض الشيوخ الألبان الأجلاء، منهم الشيخ سليمان غاوجي الألباني -رحمه الله- حيث درس شيئاً من الفقه وعلم الصرف، وقرأ القرآن وجوده على الشيخ صبحي العطار -رحمه الله-، ثم على الشيخ محمود فايز الديرعطاني -رحمه الله-، وقرأ على الشيخ محمد صالح الفرفور -رحمه الله- اللغة العربية والفقه الحنفي والتفسير والمعاني والبيان والبديع، ولازمه فترة من الزمن تقارب العشر سنوات مع طلابه، وغيرهم من شيوخ الشام، وقد ظل داعياً وعالماً يدرِّس في المساجد، ويخطب بها ويشارك في المؤتمرات والندوات العلمية، وقد عمل الشيخ مدرساً لعلوم القرآن والحديث النبوي الشريف يبن عامي 1952 و1959م في مدرسة الإسعاف الخيري التي تخرج منها، وفي عام 1960م (1381هـ) انتقل إلى المعهد العربي الإسلامي بدمشق، فدرس القرآن والفقه، وقد كان فترة يدرس في معهد الفرقان بالمزة، ومعهد المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسيني.
جهوده العلمية: له رسالة بعنوان (الوجيز في منهج السلف الصالح) ورسالة بعنوان (وصايا نبوية)، وقد حقق عدة كتب منها (غاية المنتهى) في الفقه الحنبلي، وكتاب (جامع الأصول) لابن الأثير، ومختصر شعب الإيمان للبيهقي، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية، وكتاب التوابين لابن قدامة المقدسي، وكتاب الأذكار للنووي، وكتاب الشفا في تعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض، وكفاية الأخيار للحصني، وشمائل الرسول لابن كثير، والإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة لمحمد صديق حسن خان وغيرها.
وقام بالاشتراك مع الشيخ المحقق شعيب الأرناؤوط بتحقيق وتصحيح العديد من الكتب الإسلامية التي صدرت عن المكتب الإسلامي، وأهمها: زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (9 مجلدات)، المبدع في شرح المقنع لابن مفلح (8 مجلدات)، روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي (12 مجلداً)، زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم (5 مجلدات)، جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام لابن القيم (مجلد).
يقول الشيخ عن نفسه: إني بعونه تعالى قد حققت أكثر من خمسين كتاباً كبيراً وصغيراً في الفقه والحديث والتفسير والأدب وغيرها، وهي موجودة في العالم الإسلامي....
وقال عن نفسه في مجال تمسكه بالسنة ومنهج السلف والدعوة إليه: كنت خطيباً في جامع اسمه الجامع المحمدي، وهذا عندما استلمته كان جديداً، فتردد علي كثير من الشباب، وكانوا يسمعون الخطب ويسألون، وكنت دائماً عقب خطبة الجمعة أعمل اسئلة وأجوبة، فيأتي الشباب فيسألون ويجابون على هذه الأسئلة، من هنا بدأ بعض الناس وبعض المشايخ يحركون علي: إن الشيخ وهابي، فيطلبونني ويسألون: ما هو الوهابي؟ فأقول: ليس هناك مذهب وهابي جديد، وإنما هناك رجل اسمه محمد بن عبد الوهاب من أهل نجد، ظهر في ذلك الوقت، وهذا توفي عام 1206هـ، ولكنه كان يحارب البدع والخرافات وأشياء، ويدعو الناس إلى الكتاب وإلى السنة ومذهبه على مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
بعد ذلك الناس اتهموني بالسلفية! فكنت أبين لهم أن السلف الصالح هم القرون الثلاثة المفضلة التي كانت لم تغير ولم تبدل، وإنما ساروا على النهج الصحيح.
والله أعلم.