الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله الله، وعلى آله وصحبه وبعد:
فإن الوالدين حقهما عظيم، وقد قرن الله تعالى حقهما بحقه -سبحانه وتعالى- في آيات كثيرة من كتابه العزيز فقال: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء: 36}، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء: 23}.
ووصى بالإحسان إليهما ومصاحبتها بالمعروف إذا كانا كافرين، مما يؤكد عظيم حقهما فقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ {لقمان: 15} {لقمان: 14}.
وإن من حق الوالدين على الولد، بل إن من عظم حقهما عليه أن يدعوهما إلى الإسلام إن كانا غير مسلمين، ويرغبهما فيه أعظم ترغيب، ويلاطفهما في دعوته ويتعطفهما إليه، كما فعل نبي الله وخليله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- في دعوته لأبيه، وكما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمه أبي طالب، وهو بمنزلة أبيه.
فإذا شرح الله صدورهما للإسلام ودخلا فيه وأعتقهما الله بسببه من النار؛ فلا شك أن في ذلك مجازاة عظيمة لهما، ونرجو الله -جلَّ وعلا- أن لا يكون أقل من أجر عتقهما من الملك، إن لم يكن أعظم منه.
وفي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يجزي ولد والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه.
وإذا كان هذا في العتق من العبودية التي ليس له فيها اختيار، ولا يترتب عليها عقاب في الآخرة، فكيف إذا خلصه من عبوديته لغير الله تعالى، وما يترتب عليها من عقاب في الآخرة، ونكد في الدنيا.
والله أعلم.