الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالخوف من الموت نوعان: أولهما: مركوز في طبيعة البشر وهذا غير مذموم لأنه خارج عن نطاق التكليف ولا دخل للإنسان في حصوله، وثانيهما: مذموم وهو الوهن المذكور في الحديث بحيث يكون الإنسان حريصا على البقاء في الدنيا متمتعا بشهواتها وملذاتها غافلا عن الآخرة وما يتعلق بها، وراجعي الفتوى رقم: 80408.
وكون الموت أكثر راحة من الحياة إنما ذلك خاص بعباد الله المؤمنين حيث يستريحون من نصب الدنيا وتعبها، أما الكفار والمنافقون ونحوهما فإنهم يتعجلون القدوم على ما قدموه من كفر ومعاص، وعقوبتهم حينئذ أشد مما كانوا يعانونه وهم أحياء، وطول العمر خير للمؤمن على كل حال لأنه إن كان محسنا ازداد خيرا، وإن كان مسيئا قد يتوب إلى الله تعالى ويرجع.
ففي الصحيحين عن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: مستريح ومستراح منه، قالوا: يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب. انتهى
وقال صلى الله عليه وسلم: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. رواه الإمام مسلم وغيره.
وكون المؤمنين المحسنين قد يخافون الموت ويكرهونه فهذا الخوف قد يكون من قبيل المركوز في طبيعة البشر، وقد يكون حرصا على الازدياد من العمل الصالح، فقد ثبت النهي عن تمني الموت، ففي صحيح البخاري وغيره قال صلى الله عليه وسلم: لن يدخل أحدا عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا ولا يتمنين أحدكم الموت، إما محسنا فلعله أن يزداد خيرا، وإما مسيئا فلعله أن يستعتب.
وقال الحافظ ابن حجر فتح الباري: وفيه إشارة إلى أن المعنى في النهي عن تمني الموت والدعاء به هو انقطاع العمل بالموت، فإن الحياة يتسبب منها العمل، والعمل يحصل زيادة الثواب ولو لم يكن إلا استمرار التوحيد فهو أفضل الأعمال، ولا يرد على هذا أنه يجوز أن يقع الارتداد والعياذ بالله تعالى عن الإيمان لأن ذلك نادر، والإيمان بعد أن تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد، وعلى تقدير وقوع ذلك وقد وقع لكن نادرا، فمن سبق له في علم الله خاتمة السوء فلا بد من وقوعها طال عمره أو قصر فتعجيله بطلب الموت لا خير له فيه، ويؤيده حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد: يا سعد إن كنت خلقت للجنة فما طال من عمرك أو حسن من عملك فهو خير لك. أخرجه بسند لين. انتهى
وللفائدة راجعى الفتوى رقم: 61967.
والله أعلم