الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمؤذن المذكور له الانتقال للاقتداء بالإمام الراتب، وتبطل الجماعة خلفه إذا استمروا على الاقتداء به بعد ذلك ولو جهلاً، وتصح صلاتهم إذا نووا مفارقته واقتدوا بالإمام الراتب هذا هو مذهب الشافعية، وذهب المالكية إلى بطلان صلاة المؤذن وجماعته إذا فعلوا ذلك، وإذا تعمدوا زيادة ركعة بطلت صلاتهم عند الجميع، ولمزيد من التفصيل نقول:
في الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي الشافعي: (وسئل) رضي الله عنه عن إمام اقتدى به جماعة ثم اقتدى بإمام آخر هل له ذلك؟ فإن قلتم لا فكيف صح اقتداء أبي بكر رضي الله عنه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي لا يخفى على علمكم؟ فإن قلتم نوى المفارقة عن الجماعة ثم اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم كيف صح اقتداء الجماعة المذكورين به، أوضحوا لنا كيفية ذلك مفصلاً؟ (فأجاب) بقوله: للإمام أن يقتدي بإمام آخر سواء نوى مفارقة المأمومين أم لا، لأنه متبوع لا تابع؛ بخلاف المأموم ليس له الاقتداء بإمام آخر إلا إن نوى مفارقة إمامه الأول، وإلا لزم أن يكون مقتدياً باثنين في حالة واحدة وهو ممتنع، وإذا اقتدى الإمام بإمام آخر بطل اقتداء الأولين به، فإن علموا فوراً وجبت عليهم مفارقته في الحال؛ وإلا بطلت صلاتهم إن تابعوه في فعل من أفعال الصلاة أو في سلام بعد انتظار كثير، وكذا إن جهلوا واستمروا على متابعته. إلى أن قال رحمه الله: وإذا بطل اقتداء الأولين به فلهم أن يقتدوا بمن اقتدى إمامهم به، ولهم أن يتموا منفردين. وهذا -أعني جواز اقتداء الإمام بإمام آخر وبطلان الأولين به وجواز اقتدائهم بمن اقتدى إمامهم به- مأخوذ من قصة أبي بكر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء وتأخر له أبو بكر نوى الاقتداء به ونوى الناس مفارقة أبي بكر والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما في الصحيحين من أن الناس اقتدوا بأبي بكر خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فمحمول على أنهم كانوا مقتدين به صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يسمعهم التكبير كما في الصحيحين أيضاً، فنتج من مجموع هذين الحديثين اللذين كلاهما في الصحيحين ما قلناه، وأما ما رواه البيهقي من أنه صلى الله عليه وسلم صلى في مرض موته خلف أبي بكر رضي الله عنه، فقال فيه النووي في مجموعه: إن صح هذا كان ذلك مرتين كما أجاب به الشافعي والأصحاب، وقد استدل أصحابنا على جواز نية المنفرد الاقتداء أثناء صلاته بقضية أبي بكر المذكورة وبينوا ذلك بأن الإمام في حكم المنفرد، وبما رواه أبو داود والدارقطني وغيرهما، وقال البيهقي رواته ثقات من أنه صلى الله عليه وسلم: أحرم فأحرم الناس خلفه ثم ذكر أنه جنب فأشار إليهم كما أنتم ثم خرج واغتسل ورجع ورأسه يقطر وتحرم بهم. ومعلوم أنهم أنشؤوا اقتداء جديداً لانفرادهم بعد خروجه، ولا ينافيه خبر الصحيحين: أنه ذكر أنه جنب قبل أن يحرم. لأنهما قضيتان. انتهى.
وقد قلنا أنه تبطل صلاة المؤذن وجماعته بتعمد زيادة الركعة الرابعة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 67625.
وإن كانت الزيادة سهواً فالصلاة صحيحة، ويتحمل السهو الإمام الراتب إن حصل السهو بعد الاقتداء به، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 36757، وأما المالكية فنية الاقتداء عندهم يشترط أن تكون في أول الصلاة لا في أثنائها، ففي منح الجليل ممزوجاً بمختصر خليل المالكي: (ولا ينتقل منفرد) بصلاة (لجماعة) بنية الاقتداء في أثنائها لفوات محلها، وهو أول الصلاة فهذا من فوائد قوله وشرط الاقتداء نيته فالأولى تفريعه عليه، كما فعل ابن الحاجب، وشبه في الامتناع الانتقال فقال (كالعكس) أي انتقال من في جماعة للانفراد، فإن انتقل منفرد لجماعة أو من فيها للانفراد بطلت. انتهى.
وعليه؛ فإذا كان المؤذن وجماعته قد حصل لهم سبب مبطل لصلاتهم وجب عليهم إعادتها، وإن لم يحصل إلا السبب المبطل عند المالكية وهو الاقتداء بالإمام الراتب أثناء الصلاة فمن الاحتياط في الدين إعادتها خروجاً من خلاف أهل العلم.
وإقامة جماعتين في مكان واحد تقدم بيان حكمه في الفتوى رقم: 56786.
والله أعلم.