الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجب على والدك سداد الدين الذي عليه إن كان قادرا، ولا يسقط حق الدائن بتقادم الزمن، ولو مات صاحب الدين دفع إلى ورثته.
وأما إن كان عاجزا لعدم قدرته على العمل وعدم وجود مال زائد عن حوائجه يقضي منه دينه فلا يجب عليه ذلك لأن ذلك خارج عن قدرته، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يجب على أولاده قضاء دينه؛ بل الواجب عليهم نفقته بما يحتاجه فقط.
وزيادة في بيان هذا الموضوع الذي شغلك كثيرا نقول:
نشكرك أولا على ما قمت به تجاه والدتك رحمها الله تعالى، وما تقوم به تجاه والدك -أطال الله في عمره على طاعته- من النصح والإعانة بالمال، ونقول لك: لا يجب عليك نفقته وحدك بل نفقته على جميع القادرين من أولاده، فإن قصروا ورأيت أنه محتاج فلا بد من أن تعطيه ما يكفيه ولا يضر بك، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 50146.
وقد أحسنت في حرصك على لم شمل الأسرة، ونسأل الله أن يجزيك عن ذلك خيرا، كما أحسنت في الحرص على أداء الحقوق إلى أهلها وقضاء الدين الذي على والدك، وهذا من البر به والإحسان إليه لتبرئة ذمته، وليس كما قيل لك إنه سبب في تعجيل وفاة والدك.
والذي ننصحك به هو أن تسأل والدك عن قدر الدين ومن هم الناس الذين استدان منهم، ثم تكلم إخوانك في التعاون وجمع المال كل على حسب قدرته لقضائه، ثم تذهب إلى أصحاب الحق وترد لهم مالهم، فإن كانوا قد ماتوا فورثتهم من بعدهم، فإن لم يفعل إخوانك ذلك فلا سبيل لك عليهم، ولو قمت بقضاء الدين فإن ذمة والدك تبرأ ويستريح من هذا الحمل الثقيل الذي عليه، ويكون لك بذلك أجر عظيم، فإن لم تقدر على قضاء كل الدين فبعضه حسب قدرتك، وهنا نود أن نورد لك بعض الأحاديث الدالة على عظم أمر الدين لتوصلها إلى إخوانك ووالدك لعلهم يهتمون بالأمر إذا علموا عظمه وخطورته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه. رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين. رواه مسلم.
وفي مسند أحمد وغيره عن جابر قال: توفي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه فقلنا: تصلي عليه فخطا خطى، ثم قال أعليه دين؟ قلنا ديناران، فانصرف فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة الديناران علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحق الغريم وبرئ منهما الميت، قال نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران، فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: لقد قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلده.
وأخيرا نوصيك أخي الفاضل أن لا تمل من متابعة الموضوع بحكمة ورفق حتى لا يكون سببا في مصيبة أخرى وهي القطيعة بينك وبين والدك وإخوانك، ونسأل الله تعالى أن يعينك على معالجته بما يعود عليك وعلى والدك وإخوانك بالخير والسداد.
والله أعلم.