الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما دمت لا تملك بينة بالهبة فإنك لا تستحقها قضاء، وللوارث المطالبة بها، وأما حكم تخصيص القانون للبينة في إثبات الهبة بتوثيقها في الجهات الرسمية فقط فغير صحيح شرعاً، بل تثبت بشاهدين أو إقرار الوارث أيضاً، وإليك تفصيل ما سبق إجماله..
فنقول: الهبة تملك بالقبض ويحل شرعاً لمن وهبت له أن يتصرف فيها بعد القبض بإذن الواهب ولا يشترط توثيقها ولا الإشهاد عليها وهذا من حيث الجواز الشرعي فيما بين العبد وربه، قال صاحب الزاد: وتلزم بالقبض بإذن واهب. ثم ذكر الشارح في الروض المربع حديث عائشة رضي الله عنها: أنا أبا بكر رضي الله عنه نحلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية، فلما مرض قال: يا بنية، كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقا، ولو كنت حزتيه أو قبضتيه كان لك، فإنما هو اليوم مال وارث، فاقتسموه على كتاب الله. رواه مالك في الموطأ.
وأما من حيث القضاء فإنه إذا كان معلوماً أنها ملك لشخص فلا يسلم القضاء بأنها لآخر يدعي أنها وهبت له إلا ببينة شرعية لأن الأصل أنها باقية لمن كان معلوماً أنها ملكه، والبينة إما أن تكون بشهادة عدلين وإما بإقرار الوارث وإما بتوثيق ذلك في الجهات المختصة، ولا يحق للمحكمة الشرعية أن تقتصر في البينة على التوثيق فقط، ولكن لو حصل ذلك فهم يتحملون تبعة ما أقدموا عليه.
وأما طلب تعويض مالي على مجرد التهمة فلا يحق ذلك، إلا إذا كان قد لحق بالمتهم ضرر مادي، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 29497.
والله أعلم.