الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن حاصل الإجابة عن الأسئلة المذكورة هو أن الراجح في الإناء الذي ولغ فيه الخنزير أنه يغسل مرة واحدة وليس مثل الكلب في ذلك، وأن الكلب والخنزير إذا ولغا في ماء يتجاوز القلتين لم يتنجس بسببهما سواء كان الماء في بئر أم لا، إلا إذا تغير، كما أنه لا حرج في الشرب من الآبار وينابيع المياه والمياه الجارية التي توجد في ناحيتها الكلاب، لأنه لم يتيقن ولوغها فيها، ولأن هذه المياه كثيرة في الغالب ولا تتأثر بشرب الكلاب ولا غيرها.
وإليك كلام أهل العلم في هذا المعنى حسب الترتيب ففيما يتعلق بالسؤال الأول، فقد قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع في الفقه الشافعي بعد أن ذكر الخلاف في الإناء الذي يلغ فيه الخنزير هل يغسل سبعاً مثل الكلب أم لا، فقال: واعلم أن الراجح من حيث الدليل أنه يكفي غسلة واحدة بلا تراب، وبه قال أكثر العلماء الذين قالوا بنجاسة الخنزير، وهذا هو المختار، لأن الأصل عدم الوجوب حتى يرد الشرع، لا سيما في هذه المسألة المبنية على التعبد. انتهى. وقال أيضاً: لو ولغ في ماء كثير بحيث لم ينقص بولوغه عن قلتين لم ينجسه ولا ينجس الإناء إن لم يكن أصاب جرمه الذي لم يصله الماء مع رطوبة أحدهما. انتهى.
وبالنسبة للسؤال الثاني والثالث فقد روى ابن ماجه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة منها، فقال: لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور. وهو حديث ضعيف كما ذكر الألباني، لكن استدل به الفقهاء على حمل مثل هذه المياه على الطهارة ولو كانت تردها السباع والكلاب، أضف إلى ذلك ما رواه مالك في الموطأ: أن عمر بن الخطاب خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضاً، فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض: يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع، فقال عمر بن الخطاب: يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا. ورواه البيهقي وعبد الرزاق. وأيضاً قال ابن عبد البر في كتاب الاستذكار عند شرح هذا الأثر: وهذا يدل على أن الماء إذا لم تظهر فيه نجاسة فهو طاهر ويدل على أن السؤال فيما لا يحتاج إليه يجب إنكاره والاحتجاج عليه، قال: وذكروا ما رواه ابن علية وغيره عن ابن عون قال: قلت للقاسم بن محمد: أرأيت الغدير يلغ فيه الكلب ويشرب منه الحمار، قال: ينتظر أحدنا إذا انتهى إلى الغدير حتى يسأل أي كلب ولغ فيه وأي حمار شرب منه أي ليس علينا أن نسأل عن ذلك. انتهى بحذف.
والله أعلم.