الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهبة الوالد لأولاده جائزة بشرط العدل بينهم جميعاً بأن يعطى الذكر مثل الذكر والأنثى مثل الأنثى، وإذا كانوا ذكوراً وإناثاً فقيل يسوي بينهم وهو مذهب أكثر أهل العلم، وفي قول أن للذكر مثل حظ الأنثيين كالإرث والأول أصوب، ولا حرج على من عمل بالقول الثاني وهو ما حصل من والدتك، وقد نص العلماء على أن للوالد أن يرجع في هبته لولده لما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده... وهذا مذهب الجمهور، لأن الوالد لا يتهم في رجوعه، لأنه لا يرجع غالباً إلا لضرورة، أو مصلحة للولد، ومحل جواز رجوع الوالد في هبته لولده ما لم يتعلق بها حق للغير، أو تخرج من ملكه، أو يكون قد تصرف فيها أو دخل بسببها في بعض الالتزامات.
وعليه، فليس للوالدة الرجوع ما دامت البنت الكبرى قد بنت فيما وهب لها، ولو أنها رجعت قبل ذلك لصح رجوعها، ولا يؤثر في ذلك كونها لم تسجل لها الدور لأنه هذا التسجيل لمجرد التوثيق فقط، والحل الشرعي أن تأخذ الأخت الصغرى قيمة ما بنته في دور الكبرى -إن رضيت الكبرى بذلك- وهذا ما ننصح به حرصاً على جمع الشمل وصلة الرحم، وإلا فإن للكبرى أن تطالب الصغرى بهدم ما بنته في دورها، والأصل في ذلك ما ثبت في سنن أبي داود: أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، غرس أحدهما نخلاً في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها، قال فلقد رأيتها وإنها لتضرب روؤسها بالفؤوس وإنها لنخل عم.. قال الشوكاني في نيل الأوطار: قال ربيعة: العرق الظالم يكون ظاهراً ويكون باطناً، فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار أو استخرجه من المعادن، والظاهر ما بناه أو غرسه.
وقيمة ما بنته الصغرى إن لم تكن به بينة يكون حسب تقدير أهل الخبرة، فإن لم يحصل التراضي على ذلك فالمحكمة هي التي تفصل في مثل هذه النزاعات، وليس لأخي الكبرى منعها من دخول دارها لأنه ملكها، ولا إجبارها على قبول الثمن بسبب ما حصل منها أو من زوجها.
والله أعلم.