خلاصة الفتوى:
فقد وردت النصوص الشرعية دالة على أن الأصل تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية أو الدخول عليها أو النظر إليها، وما ورد من نصوص يدل ظاهرها على خلاف ذلك فهي نصوص محتملة فلا ترد بها تلك النصوص المحكمة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل من المفيد أن نبين في بداية هذا الجواب ما هو الأصل في تعامل الرجل مع المرأة الأجنبية فنقول: لا يخفى على كل من له قليل من العلم أن الشرع قد جاء بتحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية أو الدخول عليها أو النظر إليها ونحو ذلك مما هو ذريعة إلى الفتنة وقد وردت بذلك نصوص محكمة لا يتطرق إليها احتمال، ومن هذه النصوص:
أولا: قول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ {النور:30}
ثانيا: ما روى البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء: قال رجل من الأنصار: يا رسول الله فرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
ثالثا: ما رواه البخاري ومسلم أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال يا رسول الله: امرأتي خرجت حاجة واكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال ارجع فحج مع امرأتك.
رابعا: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه. متفق عليه.
وأما ما ورد من بعض النصوص التي قد يفهم منها جواز مثل هذه الأفعال التي ثبت تحريمها فهي نصوص يتطرق إليها الاحتمال كما هو الحال في الحديث محل السؤال، والقاعدة عند العلماء: الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، فكيف إذا كان هذا الحديث قد عارضه ما هو أقوى منه، هذا بالإضافة إلى أن تلك النصوص الدالة على التحريم ثبتت بالقول فهي تشريع عام للأمة، والنصوص التي قد يفهم منها الجواز وردت بالفعل، والفعل محتمل لخصوصية أو أي احتمالات أخر.
وننبه إلى أن بعضا ممن ينسب إلى الإسلام وفتن بالحضارة الغربية أراد مجاراتها فأدى به ذلك إلى البحث عن مثل تلك النصوص المحتملة وليس هذا من شأن أهل الإيمان. قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ {آل عمران:7} وثبت في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ثم قال: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه فأولئك الذين سمى الله فاحذرهم.
والله أعلم.