خلاصة الفتوى:
يحاسب العبد على ما عزم عليه لا على مجرد حديث النفس، وأما الذكر القلبي فيؤجر عليه ولا يصل درجة الذكر باللسان.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكرك على اتصالك بنا وعلى انطباعاتك الجيدة واعترافك وشكرك على الجميل، ونفيدك أن الحساب يكون على الأعمال والأقوال التي يطلب فعلها أو تركها، وأما المباحات فالراجح أنه لا حساب فيها.
وأما حديث النفس في المعاصي فمعفو عنه إذا كان مجرد خاطرة ولم يوطن نفسه عليها ولم يعزم على فعلها، وأما إذا عزم على المعصية ثم تركها لوجه الله فتعطى له حسنة كما يدل له الحديث المذكور في السؤال، وأما إذا عزم ولم يستطع تنفيذ فعله فتكتب عليه سيئة، كما يدل له حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول، قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه. رواه البخاري.
وأما مجرد الهم على فعلها دون عزم فالصحيح أنه غير مؤاخذ به، لقول الله تعالى: إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ {آل عمران:122}، واتفق على عدم المؤاخذة بالهاجس والخاطر وحديث النفس المجرد عن الهم والعزم، وبهذا يعلم التوفيق بين النصوص المذكورة في السؤال فحديث النفس لا يحاسب عليه، وأما العزم على فعل الطاعات أو المعاصي فيحاسب عليه ويجازى إلا إذا ترك المعصية لله فيؤجر على ذلك ولا يعاقب.
وأما آية الإسراء: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً. فالمراد عمل القلب مثل الإيمان بالله والتوكل عليه والخوف والرجاء والحب وغير ذلك من أعمال القلوب، وأما مجرد حديث النفس فلا يعتبر عملاً ما لم يعزم على العمل به، وراجع في المزيد عما تقدم وفي كلام العلماء فيه وفي مسألة الذكر والتلاوة في النفس دون تحريك اللسان والشفتين الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32416، 22692، 28477، 71816، 53487، 44491، 8685، 54289، 13109، 35909، 54871.
والله أعلم.