الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن أصل هذا الكلام منقول عن أبي الحسن عبيد الله بن الحسين الكرخي أحد أجلاء العلماء وأعلام المذهب الحنفي وصفه من ترجم له بأنه انتهت إليه رئاسة الحنفية بعد القاضي أبي حازم القاضي أبي سعيد البردعي وكان من طبقة عالية بين أصحاب أبي حنيفة معدودا من المجتهدين القادرين على حل المسائل حسب أصوله ومقتضى قواعده ففي كنز الوصول إلى معرفة الأصول للمؤلف علي بن محمد البزدوي الحنفي وهو يذكر الأصول التي عليها مدار كتب الأحناف من طريق أبي الحسن الكرخي والتي ذكر أمثلتها ونظائرها وشواهدها أبو حفص عمر بن احمد النسفي صاحب تفسير التيسير ما نصه : الأصل أن كل آية تخالف قول أصحابنا فإنها تحمل على النسخ أو على الترجيح و الأولى أن تحمل على التأويل من جهة التوفيق. انتهى.
وقد ذكر البزدوي أمثلة تبين المعنى المراد من هذا الكلام ونص كلامه كما في كتابه الأصول:
(قال من مسائله (يعني النسفي) أن من تحرى عند الاشتباه واستدبر الكعبة جاز عندنا لأن تأويل قوله تعالى (فولوا وجوهكم شطره) إذا علمتم به وإلى حيث وقع تحريكم عند الاشتباه، أو يحمل على النسخ كقوله تعالى (ولرسوله ولذي القربى) في الآية ثبوت سهم ذوي القربى في الغنيمة، ونحن نقول انتسخ ذلك بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم أو على الترجيح كقوله تعالى:( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً) {البقرة: من الآية234} ظاهره يقتضي أن الحامل المتوفى عنها زوجها لا تنقضي عدتها بوضع الحمل قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام لأن الآية عامة في كل متوفى عنها زوجها حاملا أو غيرها ، وقوله تعالى:( وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) {الطلاق: 4} يقتضي انقضاء العدة بوضع الحمل قبل مضي الأشهر لأنها عامة في المتوفى عنها زوجها وغيرها لكنا رجحنا هذه الآية بقول ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت بعد نزول تلك الآية فنسختها ، وعلي رضي الله عنه جمع بين الأجلين احتياطا لاشتباه التاريخ . الأصل أن كل خبر يجيء بخلاف قول أصحابنا فإنه يحمل على النسخ أو دليل آخر أو ترجيح فيه بما يحتج به أصحابنا من وجوه الترجيح أو يحمل على التوفيق، وإنما يفعل ذلك على حسب قيام الدليل، فإن قامت دلالة النسخ يحمل عليه وإن قامت الدلالة على غيره صرنا إليه.
والله أعلم.