الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله لنا ولك ولجميع المسلمين الاستقامة على طاعته، والثبات على دينه، والتوبة من جميع الذنوب.
والسبيل إلى ما تصبو إليه هو الاستعانة بالله تعالى، والالتجاء إليه سبحانه، والعمل بمقتضى كتابه، واتباع هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ومصاحبة أهل الخير الذين يدلون على طاعة الله تعالى ويرغبون فيها، ويحذرون من طاعة الهوى، وإغواء الشيطان. مع البعد عن قرناء السوء المنحرفين عن سبيل الهدى المتبعين للهوى، فإنه قد قيل سابقاً:
عن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة " متفق عليه.
وليس من شك في أن ما ذكرته من بعد عن الله، وممارسات آثمة، وسوء سيرة، وانهماك في المعاصي، وغير ذلك مما كتبته... إنما مرجعه بدرجة كبيرة إلى سوء البيئة وقرناء السوء.
كما أن ما ذكرته من تعاسة العيش هو نتيجة واضحة لما ذكرته من الآثام والبعد عن الله. فقد قال الله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 123، 124].
فننصحك بالإسراع إلى التوبة وترك هذا القنوط، فإنه من الشيطان يريدك أن تبقى مستمرا على النهج الذي أراده منك.
واعلم أن العبد إذا أذنب ثم تاب واجتمعت في التوبة شروطها من الندم على فعل المعصية، وعزمه على عدم الرجوع إليها وإقلاعه عنها فوراً صحت توبته. وإن عاد إلى الذنب مرة أخرى ثم تاب توبة صحيحة بشروطها صحت توبته وهكذا. قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ {الشورى: 25}.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عزوجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ قَالَ: "أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً. فَقَالَ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ. فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ" أي: ما دمت تتوب توبة نصوحاً، مستوفية الشروط، سالمة من موانع القبول.
ونسأل الله أن ينفعك بهذا النصح، فإنه وحده القادر على هدايتك وإعانتك على الشيطان، وإياك ثم إياك والتفكير في الانتحار، وراجع الفتوى رقم: 74336.
والله أعلم.