الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كانت هذه الأراضي قد صودرت لأجل الصالح العام وعوض عنها أصحابها تعويضاً عادلاً فقد أصبحت مملوكة للمسلمين وليس لأحد أن يختص بها أو بأشجارها ولا أن يقوم بنقل أشجارها إلى ملكه الخاص، وإذا كانت الأشجار معرضة للموت لعدم من يقوم برعايتها فقام بعض الناس برعايتها غير متبرع بذلك وتعذر رجوعه بما بذل وأنفق على جهة معينة فله أن يأكل من ثمارها بقدر ما بذل من مال أو جهد، والأصل في ذلك أن من أدى غير متبرع واجباً عن غيره -مثل رعاية هذه الأشجار التي تجب على المسلمين رعايتها- كان له أن يرجع عليه، قال شيخ الإسلام: مذهب مالك وأحمد بن حنبل المشهور عنه وغيرهما أن كل من أدى إلى غيره واجباً فله أن يرجع به عليه إذا لم يكن متبرعاً بذلك وإن أداه بغير إذنه... وكذلك من أدى عن غيره نفقة واجبة عليه مثل أن ينفق على ابنه أو زوجته أو بهائمه.
وأما إذا لم تكن قد صودرت بحق وقد رجعت لأصحابها فينظر فإذا كانت هذه الأشجار في الأصل ملكاً لأصحابها فلا يجوز نقلها بغير إذنهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه. رواه الدارقطني.
وعلى أصحابها أن يعتنوا بهذه الأشجار ولا يهملوها فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال متفق عليه. وإذا فرض أن أصحابها غير متمكنين من رعايتها لغيبتهم ونحو ذلك فلمن قام برعايتها أن يأكل من ثمارها بقدر ما بذل كما تقدم، أما إذا كانت هذه الأشجار قد قامت الدولة بزراعتها فلأصحابها أن يخرجوها من أرضهم لأن زراعتها تصرف في ملك الغير بغير حق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ... وليس لعرق ظالم حق. أخرجه الترمذي وغيره، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.
قال أبو عيسى الترمذي: العرق الظالم هو الرجل يغرس في أرض غيره. وينبغي في هذه الحالة نقل هذه الأشجار إلى الأماكن العامة حتى ينتفع بها المسلمون، وإذا أراد أصحاب هذه الأراضي أن يتملكوها بثمنها فلهم ذلك أيضاً ويصرف الثمن في مصالح المسلمين ويستدل على ذلك بما أخرجه أبو داود والبيهقي عن سمرة بن جندب: أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار، قال: ومع الرجل أهله، قال: فكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به، ويشق عليه، فطلب إليه أن يبيعه، فأبى، فطلب إليه أن يناقله، فأبى، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه، فأبى فطلب إليه أن يناقله، فأبى، قال: فهبه له، ولك كذا وكذا. أمر رغبة فيه، فأبى، فقال: أنت مضار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري: اذهب فاقلع نخله.
ففي هذا الحديث انتزع الملك جبراً عن صاحبه حين أدت ملكيته إلى ضرر راجح، ومعلوم أن بقاء هذه الأشجار في أرضهم وهي مملوكة للمسلمين ضرر راجح فإن هذا إما أن يؤدي إلى تعطيل الانتفاع بها أو تأذي أصحاب هذه الأرض بمن يدخل لرعاية وجني ثمار هذه الأشجار.
هذا فيما يتعلق بحكم هذه الأشجار ونقلها ورعايتها، أما حكم ثمارها ففي حالة كون هذه الأشجار مملوكة للمسلمين فلكل أحد أن يأكل منها وينتفع بها ويحمل من ثمارها ما لم يضر بمن هو أحق منه بهذه الثمار مثل كون بعض الناس قد يقوم على رعايتها وحفظها ويأكل منها بمقدار ما بذل كما تقدم، فهو في هذه الحالة أحق بثمارها إلى أن يستوفي ما بذل ثم هو وغيره سواء.
وأما إذا كانت مملوكة ملكاً خاصاً فلمن مر بهذه الأشجار أن يأكل منها دون أن يحمل منها شيئاً، لقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الثمر المعلق فقال: من أصاب بفيه من ذى حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع. رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وحسنه الألباني.
والله أعلم.