الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
تقع كمبوديا في منطقة شرق آسيا وتحدها تايلاند من الشمال والغرب ، ولاوس من الشمال ، وفيتنام من الشرق والجنوب ، ومساحتها 181.055 كيلومترا مربعا ، وسكانها (11) مليون وأربعمائة ألف نسمة ، منهم نحو 6 % من المسلمين ، والغالبية العظمى من البوذيين مع وجود أقلية مسيحية كاثوليكية . ويعتقد بعض المؤرخين أن الإسلام وصل إلى كمبوديا في القرن الحادي عشر الميلادي ، وقد قام المسلمون بدور مهم في إدارة مملكة "تشامب" قبل زوالها عام 1470م ، حيث أنعزل مسلمو كمبوديا بعد ذلك . وقد حافظ المسلمون في كمبوديا طوال تاريخ كمبوديا الحديث على إسلوب حياتهم الخاص ، حيث أنهم يختلفون عن الخمير البوذيين دينا وثقافة ، كما أن لهم عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم وطعامهم وهواياتهم وذلك لكونهم في الأصل من مواطني مملكة تشامب التي تقع في وسط فيتنام ، وبعد إندثارها هاجروا إلى البلدان المجاورة ، ومنها كمبوديا ، وذلك خلال القرن الخامس عشر الميلادي . وقد كان عدد المسلمين الكمبوديين في بداية السبعينيات من القرن الميلادي العشرين ، يقدر بنحو 700 ألف مسلم ، وكان لهم 122 مسجدا ، و 200 مصلى ، و 300 مدرسة إسلامية ، ومركزا لتحفيظ القرآن الكريم ، لكن بسبب الحروب والإوضاع السياسية المضطربة التي مرت بها كمبوديا خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الميلادي الماضي ؛ هاجر كثير منهم إلى البلدان المجاورة وتعرض من بقي منهم خاصة خلال حكم الخمير الحمر للقتل والتعذيب والتشريد وتهديم المساجد والمدارس ، وحرم عليهم ممارسة الشعائر الدينية لأن الخمير الحمر كانوا شيوعيون متطرفون ، يكرهون الأديان ويعذبون من يمارس الشعائر الدينية ، سواء كان مسلما أو بوذيا أو غيرهم ، وقد قتل خلال حكمهم أكثر من مليوني كمبودي ، منهم حوالي 500 ألف مسلم ، إضافة إلى حرق المساجد والمدارس والمصاحف ومنع التحدث باللغة التشامبية لغة مسلمي كمبوديا . بعد زوال حكم الخمير الحمر على أيدي حكومة جديدة مدعومة من فيتنام تحسنت احوال الكمبوديين بشكل عام ، واستطاع المسلمون الذين يقدر عددهم حاليا بحوالي 45 ألف مسلم من ممارسة شعائرهم الدينية بحرية ، وصار لهم 268 مسجدا و 200 مصلى و 300 مدرسة إسلامية ومركز لتحفيظ القرآن الكريم . كما ظهرت العديد من المنظمات الإسلامية مثل رابطة مسلمي كمبوديا ورابطة الشباب المسلم الكمبودي ومؤسسة تنمية مسلمي كمبوديا والجمعية الإسلامية الكمبودية للتنمية . كما أنهم حصلوا على عدد من المناصب الحكومية الهامة مثل نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم ونائب وزير المواصلات . ومنهم نائبان لوزير الأديان وعضوين في مجلس الشيوخ . وبالرغم من أن المسلمين قد أخذوا في ممارسة حياتهم بشكل اعتيادي ، وبدأوا في إنشاء المدارس والمساجد والمؤسسات الخاصة بهم ، إلا أن مشروعاتهم هذه تواجه مصاعب مالية كبيرة نظرا لفقرهم الشديد حيث أن الرواتب المخصصة للمعلمين لا تكفي لسد احتياجاتهم العائلية ، كما أن المناهج الدراسية في المدارس الدينية ضعيفة في مجملها وغير موحدة . ويتركز المسلمون الكمبوديون حاليا في إقليم "فري تشامبيا" الشمالي ، حيث يشكلون نحو 40 % من سكانه ، و 20 % من سكان إقليم فري تشيانغ المجاور ، و 15 % من سكان إقليم كامبوت ، وفي العاصمة فينوم بنة يعيش نحو 30 ألف مسلم . وليس للمسلمين في كمبوديا أية وسيلة إعلامية تعبر عن هويتهم الإسلامية ، وذلك بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة . ويحتاج مسلمو كمبوديا بوجه خاص والاقليات الإسلامية في شرق آسيا بشكل عام ، إلى مد يد العون والمساعدة من إخوانهم المسلمين وخاصة المؤسسات الخيرية والهيئات الإنسانية ، إذ أنهم في أمس الحاجة لمشروعات تسهم في رفع مستوى المعيشة ، حيث يعتمد معظمهم على الزراعة وصيد الأسماك ، وهما الحرفتان اللتان تضررتا مؤخرا بشكل كبير بسبب الفيضانات والأعاصير ؛ الأمر الذي تسبب في خسائر كبيرة للمسلمين وأوصلهم إلى ما تحت خط الفقر . كما أن المسلمين في كمبوديا في حاجة إلى بناء المدارس ووضع مناهج إسلامية موحدة ؛ إذ إن المدارس القائمة حاليا تدار بصفة فردية اجتهادية ، حيث يقوم على كل مدرسة أحد المعلمين وهو الذي يضع المنهج بنفسه وهو في الغالب منهج ضعيف ومتواضع وكثيرا ما تتعطل بعض المدارس لإنصراف المعلمين إلى البحث عن عمل آخر يستعينون به على معيشتهم ، كما انهم بحاجة ماسة إلى ترجمات لمعاني القرآن الكريم والكتب الإسلامية وخاصة التي تبين العقيدة والأحكام الشرعية المختلفة