البكاء
إن أول شيء يبدأ به الإنسان حياته هو البكاء، ولعل أحسن تعليل لبكاء الطفل في الوهلة الأولى هو أنه تعبير عن الشعور الشديد بالعجز المطلق تجاه الواقع الجديد، وكأن لسان حال الوليد يقول: أغيثوني أغيثوني. ولعل بكاء الوليد هو البكاء الوحيد الذي يجلب السعادة العظيمة للوالدين وللأهل لأنها تعني بالنسبة لهم انتهاء عملية الولادة والخلاص من آلام المخاض والوضع، وللمشرف على الولادة لأنه يعني بالإضافة، تمتع الوليد بالصحة والقوة وسلامة الأجهزة العصبية والتنفسية بصورة خاصة.
أسباب البكاء:
والبكاء عموماً هو دليل على وجود حاجة ما في نفس الطفل، أي أنه لا بد من سبب للبكاء، وإن الطفل لا يبكي بدون مبرر، وبهذا يكون الإنسان أقدر على التعبير عن امتعاضه منه عن سروره إذ لا يبتسم الطفل إلا في أواخر الشهر الأول.
وإن الأسباب التي تؤدي إلى امتعاض الطفل في الأيام الأولى قليلة على العموم. ويأتي في مقدمتها الشعور بالجوع. فلذا نرى أن الأمهات يحاولن إرضاع أطفالهن بالفطرة بإعطائهم الثدي عند البكاء.
وإن بعض الأطفال لا يتحملون ألم الجوع بتاتاً. فلمجرد شعورهم بالجوع يبكون بشدة بينما نرى أن الآخرين يتحملون ألم الجوع لبرهة ما. ولذا بعد التجربة فقد عدل معظم الأطباء اليوم عن التزمت في توقيت الإرضاع حيث كان يفرض على الأم أن لا تعطي الثدي أو الزجاجة إلا في أوقات معينة سواءً أبكي الطفل من الجوع أم لم يبك.
لقد عدّل معظم الأطباء عن النصح بهذه الطريقة الشاذة ورجعوا إلى الطريقة الفطرية السليمة وهي أن يعطى الطفل إن بكى من الجوع في أسابيعه الأولى، وقد يكون سبب البكاء تحديد زمن الرضاعة إن كانت الأم قد تلقت تعليمات بهذا الشأن وطبقتها بدقة. فقد لا يأخذ الطفل كفايته من الحليب في هذا الوقت المحدد. فالأطفال تختلف قوتهم في الرضاعة شدة وضعفاً. فالضعيف قد يحتاج لوقت أطول من القوي.
كما أن تحديد كمية الحليب قد تضر الطفل إن كان الطفل يرضع من الزجاجة وكان من النوع الأكول النهم. ولذا فالقاعدة اليوم هي القاعدة الفطرية السليمة أن نعطي الحليب للطفل من الثدي أو الزجاجة متى جاع وحتى يشبع وذلك كي يشعر بالارتياح وينام نوماً هانئاً طويلاً.
وهناك أسباب أخرى للبكاء غير الجوع، كوجود فقاعة غازية كبيرة في المعدة بسبب ابتلاع الهواء أثناء الرضاعة، أو حدوث المغص المسائي الذي يسمى بمغص الثلاثة أشهر - إذ أنه يحدث في الأشهر الثلاثة الأولى من العمر -. وقد يكون سبب البكاء ضيق الطفل من زيادة الألبسة، أو اشتداد الحر، أو اشتداد البرد، أو خروج أحد السبيلين، أو وجود اندفاع جلدي حاك، أو شعور الطفل بطعم كريه كالذي ينجم عن قيئه أو رائحة كريهة. كما قد يبكي الطفل من ضجة مفاجئة أو نور شديد أو عند إطفاء المصباح وتركه في الظلام.
ولا ننس أيضاً أن سبب البكاء قد يكون ضيق الطفل من تقييد أطرافه وتثبيتها ومنعه من تحريكها عند إلباسه القماط وشده بالحزام حسب الطريقة القديمة، وهذا سبب هام في البيئات المتخلفة التي تعتمد هذه الطريقة من الإلباس. إذ الطريقة الصحية المريحة هي أن تكون الملابس ناعمة فضفاضة تدفىء الطفل دفئاً معتدلاً، لا تعيق حركة أعضائه أو أجهزته.
وهناك سبب هام لبكاء الطفل ليس له علاقة بما ذكر أو بما شابه وهو تابع لطبيعة الطفل. فهناك نوع من الأطفال المتهيجين أو النـزقين أو العصبيين كما يقال. فهم يبكون كثيراً وبشدة دون أن يعرف الإنسان لبكائهم سبباً ويحدث هذا حتى في الأيام الأولى، فإن أعطوا الثدي لا يرضعون بهدوء وروية بل يأخذون مصة أو مصتين ثم يبكون بشدة ولا تدري الأم ماذا تفعل فهم يتعبون الأهل كثيراً في الحقيقة.
وهناك سب هام آخر لبكاء الطفل في الشهر الأول من العمر وفيما بعد ألا وهو الشعور بالوحدة، وإنه لمن العجيب حقاً أن كثيراً من الأمهات لا تدرك أن الطفل يبكي من أجل الصحبة. في هذه الحال ينقطع بكاء الطفل لمجرد حمله بعكس بكاء الجوع أو الانزعاج أو الألم الذي لا ينقطع أو إن انقطع فلبرهة قصيرة. وإن حمل الطفل في هذه الأحوال لا مانع منه ولا يفسد الطفل. وبالطبع فإن الأم التي لا تميز هذا السبب تعطي ابنها رضعات إضافية لا لزوم لها إن لم تكن تتقيد بالإرضاع المنظم.
وهناك أسباب كثيرة طارئة تستدعي بكاء الطفل كتغيير ثيابه أو عند استحمامه وما شاكل.
وكلما كبر الطفل قل بكاؤه مع أن مسببات البكاء تأخذ بالازدياد، فالطفل الذي بلغ الستة أشهر، يتحمل الجوع والعطش والخرق المبللة أكثر من الطفل في شهره الأول أو الثاني، ولكن لا يزال كل سبب مزعج يستدعي بكاء الطفل بدرجات مختلفة حسب طبيعة الطفل.
وبعد الشهر السادس نشاهد أسباباً أخرى غير التي ذكرت، منها التعب والاثغار (ظهور الأسنان) - أحياناً قليلة - والخوف من الغرباء والحلم المزعج وغير ذلك.
وأما بعد الشهر التاسع فقد يبكي الطفل بسبب الحسد والغيرة وذلك إذا رأى أمه تحمل طفلاً آخر، أو بالعكس إذا رأى أخاه يصاب بأذى. أما الشعور بالوحدة الذي رأيناه أنه سبب لبكاء الطفل الصغير، فهو يصبح سبباً هاماً بعد الشهر السادس. وبالطبع فإن تحمل الطفل للوحدة يختلف حسب طبعه فقد نرى طفلاً لا يبالي إن أبقي في سريره لوحده ولو لمدة طويلة، ونرى طفلاً آخر يبكي أشد البكاء إن بعدت أمه عنه ولا يسكت إلا إذا أخذته بعربته إلى حيث يراها في المطبخ أو غرفة الجلوس.
ويبكي الطفل عندما لا نسمح له بأن يمارس ما أصبح قادراً عليه من أعمال وحركات فهو يحب أن يجلس عندما يصبح قادراً على الجلوس، وأن يلعب باللعب حين يصبح قادراً على حملها والإمساك بها، وأن يقف متمسكاً بحافة سريره عندما يستطيع الوقوف وهكذا، وهو يبكي عند منعه من ممارسة هذه الأعمال أو عدم تسهيلها له.
وبعد أن تنمو شخصية الطفل وذاتيته ابتداء من الشهر السادس فإنه يبكي عند مقاومتنا لرغباته أو إجباره على فعل ما لا يحبه أو على طعام يكرهه.
وإن البكاء الكثير المشاهد عند بعض الأطفال في السنة الأولى من العمر يكون مرده في معظم الأحيان إلى عدم تلبية حاجات الطفل الأساسية من محبة وعطف وطمأنينة وراحة وتوفير للُعب المناسبة ورغبة في ممارسة المهارات الجديدة.
وأما بعد السنة فإن البكاء يخف تدريجياً وهو ينجم على الأغلب من مقاومة ومعارضة ذاتية الطفل النامية وهواياته الجديدة. فهو يذرف الدموع غزيرة، وخاصة إن كان قوي الشخصية عندما لا يسمح له بالقيام ببعض الأعمال التي أصبح قادراً عليها كإلباس نفسه أو نزع ثيابه أو المساعدة في الأعمال التي يظن أنه يحسنها، أو باللعب بما تصل إليه يده من أجهزة وأدوات، في جميع أنحاء المنزل، وكلما كبر الطفل زاد حرصه وتمسكه بالطريق التي يختارها هو بنفسه، فهو يريد أن يلعب وأن يقضي وقته حسب الطريقة التي يراها هو أجلب للمرح والضحك لا بالطريقة المثلى ولا بالطريقة التي يراها أهله. وهو لا يقدر الزمن ولا يشعر به، وهو يريد لُعَب إخوته أو الأطفال الآخرين. وفي كل هذا وما شابه قد يعارضه أهله أو يتدخلون بغير انقطاع فيأخذ بالبكاء، كما أنه قد يبكي لأشياء تافهة أو ليلفت نظر الآخرين إليه أو ليحصل على صحبة من هم أكبر منه.
ويبكي الطفل في هذا السن أيضاً إن افتقد العطف والطمأنينة، فهو يبكي إن ترك وحيداً أو ترك يمشي في المؤخرة لأنه يمشي ببطء أو ترك في الظلام، وقد يبكي كل مساء كي يسهر مع أهله إن رأى شيئاً من التساهل. كما أنه قد يتصنع كثيراً من المخاوف والبكاء حتى يضمن صحبة أمه.
وباختصار إن كثرة بكاء الطفل تابعة لشخصيته، ولكن البكاء الزائد عن الحد يعني سوء معاملة الطفل إما بحرمانه من العطف والشعور بالإطمئنان، أو لعدم تدريبه على الاعتماد على النفس وممارسة ما يتعلمه، أو بتدليعه أو بالعكس باستعمال الشدة والصرامة، أو بأن يطلب منه أن يسلك مستوى لم يصله بعد، كما أن البكاء يزيد بنـزاقة الأهل وتعبهم. وكقاعدة لا بد من وجود سبب للبكاء من حاجة مشروعة وخطأ في سياسة الطفل.
بكاء الطفل ومستقبله
ولقد لاحظ الباحثون أنه كلما كان بكاء الطفل في السنتين أو الثلاثة الأولى من العمر أقل كلما كان حظه في مستقبل سعيد أكبر. ولكن هذا لا يعني البتة أن ندع الطفل يسير تبعاً لهواه ولكن يعني أن نعامله بحكمة ولطف وحلم وأن نمسح دموعه وحمله بحنان عند شعورنا بحاجته إلى ذلك. فليس هناك أي خوف من إفساد طبعه إن حمل عندما يبكي رغبة في أن يكون محبوباً وآمناً أو ليشعر بالراحة من جراء ألم أو أذى ألمَّ به، بل من الخطأ أن نتركه يبكي في مثل هذه الأحوال.
المعالجــة
تكمن في الملاحظات المتقدمة. في تفهم الطفل وفي تلبية حاجاته المشروعة، وبالحلم والصبر واللطف والتحمل والمعاملة الحسنة المتوافقة مع بناء شخصية الطفل. وهذه الطريقة وإن كانت تبدو في ظاهرها متعبة، وهي ليست في حقيقتها كذلك، توفر على الأهل تعباً قد يستمر الشهور والسنين، وتجعل الطفل سهلاً ليناً مطواعاً بعد برهة وجيزة.
ولا مجال للأدوية المهدئة أو المنومة إلا في حالات البكاء الناجمة عن الألم بسبب مرضي، والتي لم تكن موضوع بحثنا بالطبع. وفي الحالات الشديدة من البكاء المستديم المزعج، الذي لا يعرف سببه بعد الفحوص الطبية الدقيقة، في الحالات النادرة.
ثـورات الغضب
تحدث سورات الغضب عند الأطفال فيما بين نهاية السنة الأولى ونهاية السنة الثالثة على الأغلب، وهذا السن هو سن نمو صفات الذاتية والسلبية والمقاومة وحب الاعتداء.
وقد يكون غضب الطفل شديداً فيرمي بأشياء قد تكون ثمينة القيمة أو يكسر أشياء وقد يضرب برأسه الأرض أو يصفع نفسه أو يشد شعره وما إلى ذلك. ويقل الغضب مع مر السنين حتى نرى أن الطفل يحاول مسك نفسه عن البكاء بعد العاشرة إن حزبه أمر مراعياً في ذلك النظرة الاجتماعية.
ولننظر بشيء من التفصيل في أسباب سورات الغضب:
1. شخصية الطفل:
إذ لا يصدر الغضب عن الطفل الهادىء اللين بل عن الطفل النشيط العنيد الكثير الحركة.
2. وجود دور المقاومة ونمو ذاتية الطفل:
إذ الغضب هو نتيجة صدام شخصية الطفل النامية المتطورة مع إرادة الأهل، ورغبة الطفل المتزايدة في إظهار قدراته وتوجيه نظر الناس إليه وأن يسير حسب رغباته، إن هذا يوقعه في المشكلات والأزمات وخاصة إن كان أهله من النوع المتزمت الصارم. ويكرر الطفل صراخه وغضبه وانفعاله أيضاً إن وجد أن ذلك يساعده على الحصول على ما يريده. ويجعله سيد الموقف، ويجنبه العقاب بل وقد يجلب إليه العطف والمراضاة والهدايا. ولعل عدم التوفيق في معاملة سورة غضب واحدة أو التحدث عنها على مسمع من الطفل كفيل بأن يجعل الطفل يكررها وأن يصبح الأمر عنده عادة.
3. التقليد:
فقد يقلد الطفل أبويه أو إخوته إذا ما كانوا كثيري الغضب يقلدهم في إحداثه وفي كيفيته.
4. عدم الاستقرار:
إن كل ما يستعدي فقدان الطمأنينة والاستقرار في نفس الطفل يزيد في حدوث سورات الغضب عنده.
5. مستوى ذكاء الطفل:
مع أن الغضب يحدث عند الأطفال في أي مستوى كانوا من الذكاء، إلا أنه أكثر حدوثاً عند من يكون ذكاؤهم دون الوسط وذلك لأنه يتوقع منهم فوق ما يستطيعون أو لأنهم لا يفهمون حدود حريتهم.
6. الجهل باختلاف طبائع الأطفال:
فقد يعامل الأهل طفلهم الثاني نفس معاملتهم لطفلهم الأول مع أن الأول منهما كان هادئاً لين العريكة بينما الثاني هو من النوع النشيط العنيد الصعب المراس، فلا بد إذن من تجنب القواعد الثابتة الصارمة في معاملتنا لأطفالنا واستبدالها بقواعد أكثر مرونة.
7. المبالغة في الاعتناء بالطفل وتدليعه:
إذ الطفل عندئذ لا يعرف حدوداً لرغباته وإذا تمت مقاومته فإنه يحتد ويطلق سورة غضبه.
8. الشدة والصرامة في المعاملة:
فالإصرار على أشياء غير معقولة بالنسبة للطفل وطلب الطاعة الفورية كثيراً ما تجلب بكاء الطفل الحاد. بل إن شدة الكبت والضغط تزيد من مقاومة الطفل ومقاومة الطفل تزيد من تعنت الأهل فتدخل المشكلة في دائرة معيبة يصعب التخلص منها.
9. عدم انسجام الأبوين:
فإذا ما كان سلوك الأبوين غير منسجم أو غير مستقر على قاعدة ثابتة فمن شدة إلى تساهل إلى تهديد دون تنفيذ. فإن الأمر يختلط على الطفل ويقاوم إذا ما حاول أن يفرض أحد الأبوين عليه شيئاً لا رغبة له فيه. بل كثيراً ما يحدث أن يذهب كل من الأبوين في اتجاه، فهذا يأمر وهذا ينهى وهذا يوافق وهذا لا يوافق مما يحدو بالطفل أن يثور ويغضب عند الحاجة كي ينال مراده.
10. تعب الأهل ونفاذ صبرهم أو عدم سعادتهم:
لأن هذا ينعكس على معاملة الطفل ويؤدي إلى عدم القدرة على تحمله وسوء معاملة الطفل بطبيعة الحال تؤدي إلى اضطرابه وغضبه.
الوقاية والعلاج:
يجب أن نتأكد أولاً من سلامة جسم الطفل وخلوه من الأمراض التي قد تجعله متعباً سريع الانفعال، وبعد ذلك علينا أن نستقصي الأسباب الداعية لحدوث غضب الطفل وذلك يتم بمراجعتنا الدقيقة لمعاملة الأهل وسياستهم لطفلهم، وقد ذكرنا معظم الأسباب التي تكمن وراء هذه المشكلة.
فعلى الأم أن تكون عاقلة في معاملة ابنها تهيىء له أسباب المتعة والسعادة واللعب ليقضي وقته فرحاً، وأن تقلل من الأوامر والنواهي ما أمكن وإن كانت ترغب في نهيه عن شيء فيحسن أن تجذبه إلى أشياء أخرى وما أسهل ذلك. وعلى الأم أيضاً وبنفس الوقت أن تحرص على تنفيذ ما أعطت ابنها من تعليمات وهذه التعليمات يجب أن تكون معقولة وأن تأخذ بيد ابنها أخذاً رفيقاً مساعدة إياه في تنفيذها.
فإذا ما انتهى وقت اللعب مثلاً فعوضاً عن أن تصرخ به آمرة ناهية متوعدة عليها أن تساعده في جمع لعبه بهدوء ووضعها في مكانها. وعليها أن لا تثير مقاومته فإذا أرادته أن يفعل شيئاً فالأحسن أن تقول له: هيا بن نفعل كذا وكذا وأن لا تقول له: هل تريد أن تفعل هذا؟ إذ أن جواب الطفل على السؤال غالباً ما يكون بالنفي.
وعلى الأم ألا تحاول تحطيم إرادة الطفل إذ أن ذلك يؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثر على شخصيته في المستقبل، فالغضب بدرجة متوسطة والتعدي على الغير هما من الصفات الطبيعية للطفل ونهي الطفل وتأنيبه وزجره باستمرار يؤدي إلى حالة من الخجل أو الانطواء أو الشعور بالنقص أو على العكس إلى العصيان والشراسة فيما بعد.
وإذا ما صدرت نوبة سورة غضب من الطفل فأحسن علاج لها هو إهمالها، وإن اللامبالاة بها هو أحسن وأقوى وأنجح عقاب بكل تأكيد. وأما الصراخ والضرب واستعمال العنف والتوبيخ وفقدان الصواب وما شابه فكلها تزيد النار اشتعالاً وتزيد العلة استفحالاً.
ولا يعني هذا إعطاء الطفل ما يزيد بل على العكس، وبكل تأكيد، يجب أن يحرم مما يطلبه وإلا فإنه يجعلها عادة مستمرة، وإن كان ولا بد فلا بأس بحمله وإشعاره بالمحبة والطمأنينة ولكن لا حلوى ولا هدايا، وعلى الأم أن تتساءل: ما الذي سبب لابنها سورة غضبه؟ وهل كانت مصيبة وعاقلة في معاملتها له؟ وهل الحكمة والحلم واللطف شعارها؟
نوبات حبس النفس:
هي ما يطلق عليها العامة نوبة الغشي وهي ذات صلة وثيقة بسورات الغضب. فبعد أن يبكي الطفل يحبس نفسه فيزرق لونه ويصاب بالغشي، لدرجة تخيف الأهل كثيراً، وبعد برهة يشهق شهقة قوية يدخل فيها الاكسجين إلى جسمه فيرجع لونه وتزول النوبة.
ويكثر حدوث هذه النوبة فيما بين السنة والثلاث سنوات وتندر بعد الرابعة من العمر، وهي كثيرة الحدوث بشكلها الخفيف ونادرة بشكلها الخطر المترافق بالاختلاج العام للجسم.
وإن لشخصية الطفل أو طبيعته دخلاً في الموضوع إذ تكثر عند البعض دون الآخر، ويبالغ البعض فيعتبرها اضطراباً نفسياً ناجماً عن قلق داخلي عميق.
والعادة أن تقل النوبات شيئاً فشيئاً حتى تزول نهائياً بعد سن الرابعة.
وسببها هو الغضب الشديد أو الخذلان أو السقوط من مكان مرتفع أو الألم. والنوبات الناجمة عن الألم لا تتكرر بعكس الناجمة عن الأسباب النفسية، وقد وجد مؤخراً أن هناك علاقة أكيدة بين هذه النوبات وبين فقر الدم، دون أن يعرف تعليل ذلك. لذا يحسن فحص دم كل طفل يصاب بهذه النوبات.
ومعالجة هذه المشكلة مماثلة لمعالجة نوبات الغضب تماماً، ويلجأ الأهل عادة إلى تنبيه تنفس الطفل بالماء فهذا شيء لا بأس به. وأما الأدوية فليست بذات تأثير يذكر. ويجب الانتباه إلى الطفل كي لا يصاب بأذى أثناء سقوطه. ويجب الانتباه إلى تمييز النوبات الشديدة المترافقة بالاختلاج عن نوبات داء الصرع.
وأخيراً لا بد من التنبيه إلى وجوب عدم إبداء الاهتمام الزائد والقلق الشديد عند حدوث هذه النوبات وإلا فإن الطفل سيجعلها عادة وسلاحاً يكررها كلما أحوجه الأمر
- الكاتب:
الدكتور/ نبيه الغبرة - التصنيف:
معاً .. نربي ونعلم