أكد المفكر والباحث المعروف عبدالوهاب المسيري أن ''الحداثة الغربية لها جاذبية شديدة فهي تقوم على الخطاب المادي وهو خطاب مربك للإنسان العادي لأنه مرتبط بالحواس الخمس والرغبات الجسدية ، وهي تتعامل معه على قانون الجاذبية التي يسعد بها، وهذه الفلسفة المادية تبسط الأمور فكرياً وإجرائياً وتركز على قانون الجاذبية للإنسان بالموديلات ، والصور، والجنس، والإعلام ، فنسقط في الوحل وفي الحداثة الداروينية، وهذه الحداثة لها ثمن إنساني مرتفع من الأخلاق ، والقيم ، والتراث.
وأضاف في مقابلة صحافية أن ''الحداثة الغربية قدمت نفسها لنا وأخفت الثمن ، حيث قدمت لنا وسائل الاتصال الحديثة، والأفلام الجنسية الهابطة ، والعنف الأسري ، الذي كان سبباً في تفكك الأسرة من الداخل، وضياع القيم، والتراث ، والهوية، وبالتالي أرى أن يُفتح الملف المتعلق بالثمن لهذه الحداثة.. ونجيب على سؤال: كيف يمكن لنا أن نستفيد من الحداثة دون خلل، وأن نتعامل معها دون ذوبان للهوية الشخصية لنا؟ وفي رأيي أن ملف الحداثة قد فتح بطريقة عشوائية فوضوية كان سبباً في تفكك الأسرة والتلوث البيئي والأخلاقي، وتسارع إيقاع الحياة الذي يؤدي إلى انهيار المجتمع من الأسرة إلى التعليم وتزايد النفقات والتبعيات.
أما عن سؤالك عن استيعاب الهوية الإسلامية للحداثة؟ فأقول لك لا يمكن لها ذلك إلا بعد أسلمتها وأن يكتب عليها: (وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألاَ تعلو عليَّ وأتوني مسلمين) وينبغي أن يعي الإسلاميون أن الحداثة الغربية مرتبطة تماماً بالامبريالية، فالإنسان الغربي ما كان بمقدوره أن يحقق ما حققه من تقدم لولا النهب الاستعماري الذي استمر من أربعة قرون وحتى الآن وكذلك الحداثة مرتبطة بالاستهلاكية غير الواعية نحو اللذة والفردية النفعية .
ونوه المسيري إلى أن ''الغرب حقيقة تاريخية موجودة في العصر الحديث ويجب علينا ألا نعلق كل شيء في أي وطن على الغرب، ولكن فصل هؤلاء المثقفين عن الغرب أمر مستحيل لأنهم درسوا، وقرؤوا، واختلطوا بالغرب، وخصوصاً الفلسفات الموجودة والنظريات الحديثة.
فالغرب حقيقة بنيوية كبرى لابد من أخذها بالاعتبار دون ضياع بوصلة الهوية العربية والإسلامية..وأظن أنهم يفعلون ذلك لأنهم أبناء تراث واحد ولكن بكتابات مختلفة في التناول والمفهوم''.
ووصف الدعوات التي تنادي بالعودة إلى القبلية العصبية والجنسية عن طريق المسابقات الثقافية بأنها '' جزء من المخطط الصهيوني وجزء من التشرذم لصالح التطبيع المعرفي؛ لأنه لو عدنا إلى الإسلام الحق الذي نبذ القبلية العصبية وذمها ، فما معنى أن يكون هناك قبلية فرعونية وقبلية آشورية وقبلية بابلية سيؤدي ذلك بلا شك إلى وجود وطن وقبلية عبرية أي كيان إسرائيلي داخل الوطن العربي.
مؤكداً أنه لا بد له - أي المشروع الإسلامي – من فتح حوار مع الذات ومع الآخر قائم على البعد المعرفي بعيداً عن الاقصاء والعدائية محافظاً على نوع من الخصوصية والهوية الإسلامية القائمة على البعد الروحي والبعد الإنساني معاً، متسلحاً بسلاح العلم والمعرفة القائمة على حرية الإبداع.
وأضاف ''اختلف المتلقي في ثقافة اليوم عن أمس فكنا في جيل الستينيات نعتمد على القراءة والآن اعتمد الجيل الجديد على ثقافة الصورة التي لا تدعو إلى التفكير والتأمل إنما تدعو إلى التلقي السلبي، فمثلاً: صورة فيلم ''الإرهاب والكباب'' ماذا تترك في ذهن المتلقي وصورة فيلم ''طيور الظلام'' ماذا تترك في جيل (شاب)؟ تتكون عندهم ثقافة الاختلاف أي: التلقي السلبي أو ثقافة الاتفاق أي: التلقي الإيجابي.الآخرون هم الذين يحددون لك كيفية التلقي عن طريق الاخراج ولذا فإن القراءة مسألة يجب المحافظة عليها دائماً.
____________
الوقت البحرينية بتصرف