فشل البذيء المتطرف الهولندي (جيرت فيلدرز) في أن يحقق أي تعاطف مع شريطه الأكثر بذاءة منه والمسمى "فتنة"، بل أدى إلى نتائج عكسية تماما لمخططه الإجرامي الذي هدف إلى إثارة الكراهية ضد المسلمين، رغم العنف الشديد الذي تم به تصميم هيكل الفيلم ومحتواه، وهو العنف الذي اضطر إلى إدانته الأمين العام للأمم المتحدة ومنظمات حقوقية أوربية لم تجد فيه أي رسالة إنسانية أو معنى أخلاقي محترم سوى رغبة في إثارة الكراهية والعداء العنصري، والاستفزاز الصريح الذي يهدف إلى نشر العنف والاضطراب.
لم يكن هذا هو كل ما ناله ذلك البذيء من توبيخ، بل إن رد الفعل الإسلامي ـ خاصة في هولندا ـ كان متوازنا وهادئا، استجابة لدعوات كثيرة كشفت للمسلمين هناك النوايا الخبيثة لنشر الفيلم، والبحث عن ضجة وشهرة من قبل صاحبه، فمات الفيلم ولم يجد أي صدى استثنائي في هولندا أو أوربا، وحتى في العالم العربي والإسلامي، باستثناءات قليلة في اندونيسيا لحساسية علاقتها التاريخية مع الهولنديين.
نتائج عكسية
بالمقابل كان من نتائج الجدل الذي انتشر حول موضوع الفيلم منذ الإعلان عن إنتاجه وحتى إذاعته أن حدث إقبال غير مسبوق في هولندا على معرفة القرآن الكريم، حتى أن التقارير التي نشرتها صحف هولندية قالت بأن جميع النسخ الإلكترونية من القرآن الكريم المترجم إلى الهولندية قد نفدت بالكامل من المكتبات ومراكز البيع، كما أن شراء نسخ ورقية من القرآن الكريم المترجم إلى الهولندية وجد إقبالا غير مسبوق، وكما يقولون: رب ضرة نافعة، حيث أراد هذا البذيء إثارة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين فشاء الله تعالى أن تأتي النتيجة عكسية ويكون ذلك بابا من أبواب انجذاب الملايين لمعرفة الإسلام ومطالعة كتابه الكريم.
لم يجد (جيرت فيلدرز) أي تعاطف على مستوى العالم كله سوى من مجموعات صغيرة من المتطرفين من كل لون وجنس، والمثير للغرابة أن مجموعات قبطية مصرية متطرفة ممن تعيش في المهجر احتفلت بالفيلم احتفالا كبيرا وحرصوا على توزيع اللينكات الخاصة به على كل من يصلون إليه عبر البريد الإلكتروني، وأنا شخصيا وصلني لينك الفيلم مرات كثيرة من مجموعات قبطية متطرفة عبر البريد الإلكتروني، ولم أجد أي شوق إلى فتحه ، لأني اعتبرته مضيعة وقت.
قضية شريط "فتنة" كشفت عن تطور وعي الجاليات المسلمة في التعامل مع مثل هذه "الانتهازية" السياسية والإعلامية مستقبلا، لأني أتصور أن هذا السلوك الإجرامي المنحرف سوف يتكرر بصور مختلفة ومن أشخاص باحثين عن الشهرة بأي ثمن، لدرجة أن صحفيا جزائريا مهاجرا متفرنسا لا يعرفه أحد ولم يسمع به أحد، أنشأ موقعا خاصا به وقرر عرض شريط "فتنة" من خلاله، فتناقلت وكالات الأنباء الحدث، بوصفه حالة غريبة، وانتشى صاحبنا بأنه أصبح مشهورا، ولو كانت شهرة رخيصة، وحتى لو كان على طريقة من بال في بئر زمزم ليحكي الناس سيرته، فالانتهازيون ـ خاصة في تلك الأوقات المضطربة ـ يكثرون، ولكن خبرة المواجهة واحتواء محاولات الابتزاز والحكمة العالية في التعامل مع "عديمي المروءة" من شأنها أن تكشف هؤلاء جميعا وتفسد عليهم خططهم وخطواتهم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمال سلطان : المصريون