تعد قصيدة"القوس العذراء" والبالغ أبياتها مائتين وتسعين بيتاً، من أبرز أعمال المحقق الأديب محمود شاكر، وقد استوحى أبياتها من قصيدة الشماخ بن ضرار الغطفاني، الصحابي الجيل، واسمُه معقل، وكُنيتُه أبو سعيد. شاعر أدرك الجاهلية وهو ممن شهد القادسية، وتوفي سنة 24هـ غزا في فتوح عمر رضى الله عنه ثم غزا اذربيجان مع سعيد بن العاص فاستشهد في معركة"موقان". أشتهر ببراعته في الوصف فكانت قصيدته التي وصف فيها قوساً قطعها وقومها وسواها وأحبها وظلت رفيقة دربه وعمره، ثم وافى موسم الحج فاضطر لبيعها فباعها.
وقصيدة الشماخ – رضي الله عنه – عن"القوس" أبياتها: ثلاثة وعشرون بيتاً. جاء الشاعر والعلامة محمود شاكر ليقرأها قراءة شعرية ويدير حولها قصة مطولة تصور العلاقة الحميمية بين هذا الصياد وهذه القوس، من يوم أن كانت القوس عوداً في شجرة، إلى أن أضحت في أحضان الصياد غانية جميلة محبوبة، وتتزايد حدة الموقف وتنساب الدموع حين يسومونها منه في موسم الحج ليشتروها بثمن بخس، ويعيش الصياد فترة من الصراع المر والتردد والحيرة تصوره القصيدة تصويراً رائعاً جداً ..وفي دهشة الموقف تهمس الشفتان ببيع القوس العذراء… ويستيقظ الصياد على أصداء من نغمات المشترين ” بعْ .. لا تبع ..بع …لا لا ..بع ..” وقد فقد أعز ما يملك..
يقول عنها الدكتور: إحسان عباس: "لا ريب عندي في أن الشعر الحديث قد ضل كثيراً حين لم يهتد إلى "القوس العذراء"، وأن الناقد الحديث كان يعشو إلى أضواء خادعة، حين انقاد وراء التأثر بشعر أجنبي، ورموز غريبة، ولم يتسطع أن يكتشف أدواته في التراث كما فعلت القوس العذراء"
ويقول عنها الدكتور: زكي نجيب محمود : "درة ساطعة هذه بين سائر الدرر، و(آية هذه من الفن محكمة) بين آيات الفن المحكمات، وقعت عليها وأنا أدور بالبصر العجلان في سوق الكتب الحديثة الصدور، فكنت –حين وقع عليها البصر- كمن كان ينبش في أديم الأرض بين المدر والحصى، ثم لاحت له بغتة –لتخطف منه البصر ببريقها- لؤلؤة، هو كتاب -القوس العذراء- من ست وسبعين صفحة صغيرة، رقمت أسطرها صفحة صفحة، كما ترقم حبات الجوهر الحر يضعها الخازن في صندوق الذخائر، لكي لاتفلت منها عن الرائي جوهرة، ولو قد كانت لي الكلمة عند طبع الكتاب، لأمرت بترقيم محتواه لفظة لفظة؛ لأن كل لفظة من كل سطر لؤلؤة".
كما وصفها د . محمد مصطفى هدارة بقولة ( قصيدة " القوس العذراء " رؤية جديدة في الإبداع الفني ، تأخذ مكانها في الذروة من الأعمال الرائعة في أدبنا المعاصر، بل في الأدب الإنساني في كل زمان ومكان )
كتب عن هذه القصيدة الكثير، وقد شعرت عند قراءتها بمتعة كبيرة جداً، فهي عمل رائع حوى المفردة والمضمون بقالب شعري متفرد ، وفيها يقول :
- يُسَاوِمُنِي المَالَ عَنهَا؟! نَعَمْ!.. إذَا لَبِسَ البُؤْسُ حُرَّا أَذَلّْ
ـ إذَا مَا مَشَى تَزْدَرِيِه العُيُونُ، وَإنْ قَالَ رُدّ كَأَنْ لَمْ يَقُلْ
ـ نَعَمْ! إنَّهُ البُؤْسُ!! أَيْنَ المَفَرُّ مِنْ بَشَرٍ كَذِئَاب الجَبَلْ؟!
ـ ثَعَالبُ نُكْرٍ تُجِيدُ النِّفَاقَ حَيْثُ تَرَى فُرْصةً تُهْتَبَلْ
ـ فَوَيْحِي مِنَ البُؤْسِ!.. وَيْلٌ لَهُمْ!! . أَرى المَالَ نُبْلاً يُعَلي السِّفَلْ
ـ فَخُذْ مَا أَتَيِتَ بِهِ..!! إِنَّه مَلِيك يُخَافُ، وَرَبٌ يُجَلّْ
ـ وَسُبْحَانَ رَبِّي! يَدِي! مَا يَدِي؟! بَرِيْتُ القِسِيَّ بها لم أَمَلْ!
ـ حَبَاني به فاطِرُ النَيِرِّات وَبَاري النَّباتِ وَمُرْسِي الجَبَلْ!
ـ فَقُمْ! وَاسْتَهِلَّ ، وَسَبِّحْ لَهُ! وَلبّ لِرَبٍ تَعالىَ وَجَلّْ
___________
موقع نادي اقرأ بـ"تصرف"