رفع الله ذِكْرَ نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وكفاه المستهزئين به، وبَترَ شَانِئَه، ولَعَنَ مُؤْذِيَه في الدنيا والآخرة، فقال الله تعالى: { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } (الكوثر:3)، وقال تعالى:{ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ } (الحجر:95)، وقال تعالى : { إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ }(التوبة: من الآية40) ..
ألم تر أن الله خلَّد ذكره إذ قال في الخمس المؤذن: أشهد
وشقّ له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد
ومن أوجب الواجبات القيام بما تقتضيه شهادة أن محمدًا رسول الله، من الإيمان به - صلى الله عليه وسلم - وتصديق خبره، وطاعة أمره، وتوقيره وتعزيره بنصرته ونصرة سنته، وأن يكون - صلى الله عليه وسلم - أحب إلى المسلم من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وذلك لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين ) رواه مسلم .
لقد استحق الصحابة الكرام الثناء الجميل في الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة لِمَا بذلوه في نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والدفاع عنه، حتى كان الواحد منهم يفدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه وماله وأهله وولده، ولا يقبل أن يصاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بأدنى سوء ..
في غزوة أحد لما تكالب المشركون عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ انتدب من أصحابه من يكفيه المشركين، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من يردهم عنا وله الجنة ـ أو هو رفيقي في الجنة ـ ) رواه مسلم .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لحسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ : ( اهجُ قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل ) رواه البخاري ). وقال له : ( اهجهم وجبريل معك ) رواه البخاري ..( اهجهم ) : اذكر عيوبهم بشِعْرك ..
قال الحافظ ابن حجر : " وفي الحديث جواز سب المشرك جوابا عن سبه للمسلمين, ولا يعارض ذلك مطلق النهي عن سب المشركين لئلا يسبوا المسلمين، لأنه محمول على البداءة به, لا على من أجاب منتصرا " .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول لحسان : ( إن روح القدس لا يزال يؤيدك ، ما نافحت (دافعت) عن الله ورسوله ) رواه مسلم .
فكان حسان ـ رضي الله عنه ـ يهجو كفار قريش الذين كانوا يسبون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويلمزونه، وكان شعره أشد عليهم من بعض سهام وسيوف المسلمين، وفي ذلك بيان لأهمية الذب عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ باللسان والبيان ..
إن التطاول على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الغرب أصبح ظاهرة متكررة بين الحين والآخر، وليس ذلك غريبا عليهم، لكن الغريب كل الغرابة أن ترى بعض المسلمين ـ رغم محبته للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يلتفت إلى ذلك التطاول، ولا يلقي له بالا، ولا يغار على دينه، ولا يقوم بواجب نصرة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. وماذا يبقى في الحياة يوم يُنال من مقام نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم لا يُنْتصر له ولا يُدَافع عنه
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
وحين ينصر المسلم نبيه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهو يدافع عن عقيدة هي أغلى عنده من حياته، وفي ذلك امتثال لأمر الله تعالى بالدفاع عن نبيه ـ صلى الله عليه وسلم - ومناصرته وحمايته من كل أذى يراد به، أو نقص ينسب إليه، كما قال تعالى : { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }(الفتح: من الآية9) ..
ولن يعدم المسلم وسيلة ـ بل وسائل ـ ينصر بها أفضل الأنبياء وخير البرية - صلى الله عليه وسلم -، والتي يمكنه من خلالها العمل بمقتضى محبته، وواجب القيام بنصرته - صلى الله عليه وسلم ـ .. ومن هذه الوسائل :
اتباعه وطاعته، والرضى بحكمه، والتسليم له، والانقياد لسنته والاقتداء بها ، ونبذ ما سواها : قال الله تعالي: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(آل عمران:31) ..
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخاري .
يقول القاضي عياض : " اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبه، وكان مدّعياً، فالصادق في حب النبي - صلى الله عليه وسلم - من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قول الله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(آل عمران:31) " .
ومن الوسائل التي يملكها كل مسلم لنصرة الحبيب - صلى الله عليه وسلم ـ التعرف على شمائله العطرة، وكريم صفاته الخَلقية والخُلقية، وسيرته الشريفة، مع الوقوف عند حوادثها موقف المستفيد من حِكَمِها وعبرها، ومحاولة ربطها بحياتنا وواقعنا ـ أفرادا ومجتمعات ـ .
إن في قلب كل مسلم حب فطري لرسول الله - صلى الله عليه وسلم – يدفعه دفعا لنصرته، إلا إن هذا الحب يترسخ وينمو إذا ما قرأ في شمائله وأخلاقه وصفاته وسيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعلم كيف ضحى وبذل من أجل أن يصل إلينا هذا الدين ..
ومنها : الالتزام بأمر الله تعالى لنا بالتأدب معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومع سنته لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ }(الحجرات:2) .
ومن وسائل نصرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ : دحض وتفنيد الشبهات والأباطيل التي تثار حوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيرته العطرة .. والتصدي للإعلام الغربي واليهودي، والرد على ما يثيرونه عن ديننا ونبينا، وإبراز شخصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخصائص دينه وأمته، من خلال نشر ذلك والتحدث عنه في المناسبات الإعلامية والثقافية في الداخل والخارج، مع نشر ما ذكره المنصفون ـ قديما وحديثا ـ من غير المسلمين بشأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ومنها : تربية أبنائنا ـ من صغرهم ـ على محبة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والاقتداء به في أخلاقهم ومعاملاتهم وجميع أحوالهم ..
ومن وسائل نصرة نبينا وحبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدعاء على كل من يتجرأ عليه بقول أو همز .. فالدعاء على من يتجرأ على مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - سلاح يملكه كل مؤمن، وهو في هذا يقتدي بحبيبه - صلى الله عليه وسلم ـ الذي دعا على من آذى أصحابه .
إن التهاون في نصرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الخذلان الذي يدل على ضعف الإيمان، فالذب عنه وعن دينه وسنته، وآل بيته وصحابته، شرف ورفعة، كما أنه مظهر من مظاهر محبته وتعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ينبغي على المسلم القيام به ..
ووسائل نصرة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة، والواجب علينا جميعاً - كلٌ حسب استطاعته - أن ننصر نبينا وحبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
وإذا تخاذل المسلمون أو ضعفوا عن نصرة نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ممن يؤذيه ويستهزئ به، فإن الله ناصره وكافيه، قال الله تعالى: { إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّه }(التوبة: من الآية40) .
وفي ذلك يقول ابن تيمية : " إنَّ الله منتقمٌ لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ممن طعن عليه وسَبَّه، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب ..".
وهذا ماض إلى قيام الساعة دائما وأبدا، مصداقاً لقوله تعالى: { إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ }(الحجر:95) .