الإسناد المسلسل هو ما تتابع رجاله عند روايته على صفة أو حال، إما في الراوي أو في الراوية، أو هو ما كان إسناده على صفة واحدة أو حالة واحدة في جميع طبقاته.
والمقصود بالتتابع هو اشتراك الراوي في صفة أو حال مع باقي رجال الإسناد، والفرق بين الصفة والحال هو أن الصفة تكون ملازمة للإنسان في جميع أوقاته وأحواله، فنقول عن فلانٍ أنه حافظ أو قارئ أو إمام إلى غير ذلك من الصفات التي تلازم الإنسان، ونقول أيضا الحديث المسلسل بالحفاظ أو الثقات أو القضاة وهكذا، وأما الحال فهو ما يحصل للإنسان بصورة وقتية، وليس بالضرورة أن يكون ملازماً له، فالحب والبغض من الأحوال الإنسانية، وكذلك تشبيك الأصابع إلى غير ذلك من الأحوال.
وبذلك يكون هناك قسمان للتسلسل هما: التوارد على حال - والتوارد على وصف.
أقسام التسلسل
القسم الأول: التوارد على حال:
وهو أن يكون حال راوي الحديث وحال شيخه الذي أخذ عنه إلى منتهاه واحداً، وله ثلاثة فروع:
1- التوارد على قول: وهو أن يتفق الرواة من أول السند إلى منتهاه على قول واحد يأخذه عمن فوقه واحداً بعد آخر، كحديث: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، فإنه مسلسل بقول كل راو: "أنا أحبك فقل: اللهم أعني على ذكرك...".
2- التوارد على فعل: وهو أن يتوارد الرواة على فعل معين بحيث يأخذه كلٌ عن شيخه من ابتداء السند إلى منتهاه، كالحديث المسلسل بالتشبيك، والحديث المسلسل بالمصافحة ونحو ذلك.
3- التوارد على قول وفعل معًا: وهو أن يتفق الرواة على قول وفعل معاً في جميع طبقات السند، كلُّ راوٍ يأخذه عمن فوقه، كالحديث المسلسل بقبض اللحية وبقوله: "آمنت بالقدر".
القسم الثاني: التوارد على وصف:
وهو أن يشترك رواة الحديث في وصف لهم، وله فرعان:
1- التوارد على وصف للرواة: وهو أن يكون التسلسل الواقع في السند يقع ضمن أوصاف الرواة، وتنقسم أوصاف الرواة إلى صفات قولية أو فعلية.
فالتوارد على أوصاف الرواة القولية هو أن يتفق الرواة على صفة قولية تتعلق بالراوي، مثل أن يتفقوا على رواية أصح حديث أو غير ذلك، كالحديث المسلسل بقراءة سورة الصف.
وأما التوارد على أوصاف الرواة الفعلية فهو أن يتفق الرواة على وصف لهم من ابتداء السند إلى آخره، ويكون هذا الوصف فعليًّا، مثل الحفظ والإتقان وغير ذلك، كالحديث المسلسل بالحفاظ أو الحديث المسلسل بالفقهاء.
2- التوارد على وصف يتعلق بالتحمل، بما يرجع إلى:
- صيغ الأداء: كأن يتفق الرواة على قول حدثنا أو أخبرنا أو غيرها من صيغ الأداء، وذلك من ابتداء السند إلى منتهاه.
- زمان الرواية: كأن يتفق الرواة على رواية الحديث في وقت واحد أو يوم معين.
- تاريخ الرواية: كأن يتفق الرواة على ذكر تاريخ الرواية، كأول حديث سمعه من شيخه، أو أن الراوي آخر من حدث عن شيخه، كالحديث المسلسل بالأولية أو الآخرية.
أنواع الأسانيد المسلسلة
النوع الأول: المسلسلات التامة:
وهو ما كان التسلسل من ابتداء السند إلى منتهاه، وهو الأكثر في الأحاديث المسلسلة، وقد ذكر الإمام الحاكم أمثلة منها ثم قال: "فهذه أنواع المسلسل من الأسانيد المتصلة التي لا يشوبها تدليس، وآثار السماع بين الراويين فيها ظاهرة، وقد تقدمت في البحث أمثلة للمسلسلات التامة ولكن هناك بعض الأحاديث وقع الخلاف فيها هل هي تامة التسلسل أم أن التسلسل انقطع فيها".
النوع الثاني: المسلسلات الناقصة:
الأصل في التسلسل أن يكون كاملا من أول السند إلى آخره، ولكن قد يقع انقطاع في التسلسل في بعض طبقات التسلسل، وهذا يسمى المسلسل الناقص، قال الإمام السخاوي: "ومن المسلسلات الناقصة ما اجتمع في روايته ثمانية في نسق اسمهم زيد أو سبعة أو ستة من التابعين أو ست فواطم أو خمسة كنيتهم أبو القاسم أو أبو بكر أو اسمهم محمد بن عبد الواحد أو أحمد أو خلف أو صحابة أو أربع اسمهم إبراهيم أو إسماعيل أو علي أو سليمان أو صحابيات أو إخوة من التابعين.. أو أشباه لذلك كأن يتوالى في رواته بصريون أو مدنيون أو مغربيون أو مالكيون أو حنبليون أو ظاهريون أو عدة نسوة".
فوائد الإسناد المسلسل
للحديث المسلسل فوائد عامة وخاصة، فالعامة منها تشمل جميع أقسام الحديث المسلسل، وأما الخاصة فتقتصر على بعض منها، ولا تمنع هذه الفوائد من ضعف الحديث المسلسل، لأن أسباب الضعف كثيرة، ومن فوائده العامة:
1- الدلالة على الاتصال وعدم الانقطاع في السند، مثل: ما تسلسل سنده بـ"سمعت" أو "حدثنا" أو "أخبرنا"، وكذا الدلالة على ضبط الرواة، بحيث أن الراوي حفظ السند والمتن، وزاد على ذلك الكيفية التي جاء بها السند.
2- الأمن من تدليس بعض رواته، وذلك أن يكون السند المسلسل بصيغ الأداء الصريحة، إضافة إلى كون راوته ثقات، فإن ذلك يمنع أن يكون فيه تدليس أو انقطاع في الظاهر، إذا انتفت العلة القادحة الخفية في السماع.
3- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، وذلك في حالة كون الحديث مقبولا، كحديث التشبيك.
4- معرفة مخرج الحديث وتعيين ما لعله يقع من الرواة مهملاً، مثل: ما توالى فيه راويان فأكثر اشتركوا في التسمية، كعمران ثلاثة: الأول القصير، والثاني أبو رجاء العطاردي، والثالث ابن حصين الصحابي، وفائدته دفع توهم الغلط حيث وقع إهمالهم.
5- رفع اللبس عما يظن فيه تكرار أو انقلاب، مثل من اتفق اسمه واسم أبيه وجده كالحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
وأما الفوائد الخاصة فإن الحديث المسلسل بالأئمة الحفاظ يفيد العلم النظري عند أغلب المحدثين، كما صرح بذلك الإمام ابن حجر العسقلاني، واشترط لذلك أن لا يكون غريباً، مثال ذلك: الحديث الذي سنده الإمام أحمد ومعه ثقة غيره، عن الشافعي ومعه ثقة غيره، عن مالك ومعه ثقة غيره، عن نافع ومعه ثقة غيره، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وهناك فائدتان نختم بهما موضوعنا:
الأولى: أن المسلسلات قلما تخلو من ضعف:
فقد بحث نقاد الحديث في أسانيد الأحاديث المسلسلة فوجدوا أن أكثرها لا تخلو من ضعف، وإن كان فيها صحيح فهو قليل، والمقصود بالضعف هنا هو ضعف التسلسل بالكيفية التي جعلته مسلسلا، كالمسلسل بالتشبيك فإن أصله في صحيح مسلم، إلا أنه بالسند المسلسل ضعيف.
قال الإمام ابن الصلاح: "وقلما تسلم المسلسلات من ضعف التسلسل لا في المتن"، وقال الإمام السخاوي: "وقلما يسلم التسلسل من ضعف يحصل في وصف التسلسل لا في أصل المتن، كمتسلسل المشابكة فمتنه صحيح، والطريق بالتسلسل فيها مقال".
الثانية: أصح الأسانيد المسلسلة:
يعد الحديث المسلسل بسورة الصف أصح الأسانيد المسلسلة، قال الإمام السخاوي: "وأصحها مطلقا المسلسل بسورة الصف ثم بالأولية"، وقال الإمام السيوطي: "قال شيخ الإسلام ـ يقصد ابن حجر العسقلاني ـ : أصح مسلسل يرد في الدنيا المسلسل بقراءة سورة الصف، قلت: والمسلسل بالحفاظ والفقهاء أيضا، بل ذكر في شرح النخبة أن المسلسل بالحفاظ مما يفيد العلم القطعي".