بعد أن ذكرنا النوعين الأولين من أنواع الحديث باعتبار منتهى السند (جهة المنقول عنه)؛ نأتي إلى النوعين الآخرَين من تلك الأنواع، وهما: الموقوف والمقطوع.
ثالثا: الحديث الموقوف
الحديث الموقوف: هو ما أضيف إلى الصحابي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، وأجمل ذلك الخطيب البغدادي فقال: "الموقوف: ما أسنده الراوي إلى الصحابي، ولم يتجاوزه"، وقال الإمام الحاكم: "أن يُروى الحديث إلى الصحابي من غير إرسال ولا إعضال، فإذا بلغ الصحابي قال: إنه كان يقول كذا كذا، وكان يفعل كذا كذا، وكان يأمر كذا كذا"، وإنما سمي موقوفا لأن الإسناد وقف عند الصحابي.
والصحابي: هو كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على ذلك، ولو لم يره، كأن يكون أعمى، ولو لم يخاطبه، كأن يحضر له خطبة، ولو لم يجلس معه، كمن رآه في حجة الوداع، فإنه يأخذ شرف الصحبة، ولا شك أن شرف الصحبة من أعظم الأوصاف، وهذا من فضل الله عز وجل عليهم، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه) متفق عليه.
مثال الموقوف القولي: ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة".
ومثال الموقوف الفعلي: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن أبي مليكة قال: "أوتر معاوية بعد العشاء بركعة"، وكذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد".
ومثال الموقوف التقريري: ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه "كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يجمعون فلا يعيب ذلك عليهم"، أخرجه عبد الرزاق وابن المنذر وصححه ابن حجر.
وحكم الموقوف مثل المرفوع، ينظر في إسناده فإن كان متصلاً واستجمع شروط الصحة فهو صحيح، وإلا فهو ضعيف أو حسن، حسب رجال إسناده أو ما يعتريه من علة.
رابعا: الحديث المقطوع
المقطوع في اللغة اسم مفعول من قطع ضد وصل، والحديث المقطوع في الاصطلاح: هو ما أضيف إلى التابعي من قول أو فعل، أي ما أُسند إلى التابعي ولم يتجاوزه، وسمي مقطوعا لأنه انقطع ولم يصل للصحابي فيقف، ولم يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيرتفع فيصير مرفوعا.
والتابعي: هو من لقي الصحابي مؤمناً بالنبي صلى الله عليه وسلم ومات على الإيمان.
مثال الحديث المقطوع القولي: ما أخرجه الدارمي في سننه عن مسروق بن الأجدع -وهو تابعي- قال: "كفى بالمرء علماً أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعلمه"، وأيضا ما رواه سعيد بن منصور عن عبد الله بن المبارك عن هشام بن حسان أن الحسن البصري سئل عن الصلاة خلف صاحب البدعة، فقال الحسن: "صل خلفه وعليه بدعته"، فهذا من قول الإمام الحسن البصري رحمه الله وهو تابعي.
مثال الحديث المقطوع الفعلي: ما رواه الإمام مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد "أنه كان يقرأ خلف الإمام في ما لا يجهر فيه"، فهذا كان من فعل القاسم بن محمد وهو تابعي.
الفرق بين المقطوع والمنقطع:
قال الحافظ ابن حجر في نزهة النظر: "حصلت التفرقة في الاصطلاح بين المقطوع والمنقطع، فالمنقطع من مباحث الإسناد، والمقطوع من مباحث المتن"؛ إذ المقطوع ما نسب للتابعي، وقد يكون صحيحاً أو حسنا أو ضعيفا، وأما المنقطع فهو الحديث الضعيف بسبب علّة في السند وهي الانقطاع، ونحن بصدد الحديث عن المقطوع لا المنقطع.
وحكم المقطوع مثل المرفوع والموقوف، ينظر في إسناده فإن كان متصلاً واستجمع شروط الصحة فهو صحيح إلى قائله، وإلا فهو ضعيف أو حسن، حسب رجال إسناده أو ما يعتريه من علة.