شاع استخدام مصطلح "أحاديث الأحكام" على اعتبار أنه اسمُ علمٍ على نوعٍ من الأحاديث النبوية الشريفة في كل كتب الفقه وأصوله، ويمكننا أن نعرفها بقولنا: (هي الأحاديث النبوية الصحيحة والحسنة التي يمكن بصحيح النظر فيها الوصول إلى حكم شرعي عملي)، وأيضا فإن "أحاديث الأحكام" مركب إضافي قبل أن تكون علَمًا على نوع معين من الأحاديث النبوية، وتعرّف باعتبارها مركبًا إضافيًّا بأنها: (الأحاديث النبوية المتعلقة بالأحكام الشرعية العملية).
وقد سعى علماء هذه الأمة سعيًا حثيثًا في جمع أدلة الأحكام الشرعية، والكلام عليها سندًا ومتنًا ودلالةً، على اختلاف مراتبهم ودرجاتهم في شروط قبول الأخبار، وعلى تفاوت مداركهم في النصوص والآثار، وتبعًا لذلك أفرد بعض علماء الحديث "أحاديث الأحكام" بالتأليف والتصنيف، ومن أشهر من فعل ذلك:
- الإمام المحدث مجد الدين ابن تيمية جدّ شيخ الإسلام، حيث ألّف: (منتقى الأخبار في الأحكام).
- والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، حيث صنّف كتابه المشهور: (بلوغ المرام من أحاديث الأحكام).
- والإمام الحافظ تقي الدين عبد الغني المقدسي، حيث ألّف: (عمدة الأحكام).
- والإمام الحافظ عبد الرحيم العراقي، حيث صنّف: (تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد).
أهمية العناية بأحاديث الأحكام
لا بد لمن ينتمي إلى الفقه أن يكون ذا عنايةٍ بالأحاديث النبوية والآثار الواردة عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم في الأحكام الأصلية والفرعية، ليكون على بينة من أمره، فيصون نفسه من محاولة إجراء القياس على ضد المنصوص، ويحترز من مخالفة الإجماع.
ذلك أنه لا يمكن تفريق ما يصح فيه القياس مما لا يصح فيه، وتمييز ما يستساغ فيه الخلاف مما لا يسوغ فيه غير الاتباع المجرد، إلا لمن أحاط خبرا بموارد النصوص الشرعية، ووجوه التفقه فيها، واستقرأ الآثار الواردة من فقهاء السلف في الأحكام الفقهية، فهو الذي يقدر أن يتصوّن من القياس في مورد النص -وهو شنيع-، وهو الذي يستطيع أن يتحرز من الخلاف في موطن الإجماع.
كما أن دراسة أحاديث الأحكام تربي الملكة الفقهية، والقدرة الاستنباطية في نفس الطالب، فيعرف كيف وصل العلماء إلى الأحكام من أدلتها.
وسنعرض في هذا المحور لمختارات من أحاديث الأحكام، نذكر شيئا من شرحها، ونُعرِّج على شيء من فقهها، سائلين المولى جل وعلا أن يكتب النفع بها.