مما اشتهر واستقر استحباب صلاة الضحى، فقد أوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا هريرة وأبا ذر الغفاري، ونقل عنه فعلها في أحاديث لا مرية في صحتها، وبالمقابل فقد نقلت عائشة -رضي الله عنها- أنها لم تره يصليها، مع أنها من نقلت أيضاً فعله لها، وكم ركعة كان يصليها، وكلها أحاديث مروية على وجه الصحة والقبول.
فقد بوَّب الإمام مسلم في "صحيحه" باب: استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان، وذكر حديث أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا، ويزيد ما شاء الله». رواه مسلم. وله عنها: أنها سئلت: (هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟) قالت: «لا، إلا أن يجيء من مغيبه».وله عنها: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها».
ففي الحديثين الأولين دلالة على استحباب صلاة الضحى وبيان عدد ركعاتها، وفي الحديث الثالث تقييد للاستحباب بحال القدوم من السفر، وفي الحديث الرابع تنفي عائشة رؤيتها للنبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي صلاة الضحى. وقد أورد الإمام مسلم هذه الأحاديث الأربعة على النحو الذي ذكرناه؛ وذلك إشارة منه لطلب التوفيق بين هذه الظواهر المتعارضة. فكيف جرى التوفيق والجمع بينها؟
فذهب بعض العلماء إلى الترجيح بين هذه الأحاديث، فرجح بعضهم أحاديث الاستحباب، حاكماً على أحاديث النفي بالنكارة، وممن ذهب هذا المذهب: ابن خزيمة، وابن عبد البر، قال ابن عبد البر: "إن حديث عائشة منكر. والأمر المستقر عليه في قواعد التعارض بين ظواهر النصوص أن الترجيح بين الأدلة مع إمكان الجمع مذهب مرجوح.
وذهب فريق من أهل العلم إلى الجمع بين الحديثين -وهو الأوفق من جهة القواعد والأصول-، ولخص هذا المذهب الإمام النووي رحمه الله حيث فقال: "وأما الجمع بين حديثي عائشة في نفي صلاته -صلى الله عليه و سلم- الضحى وإثباتها، فهو أن النبي -صلى الله عليه و سلم- كان يصليها بعض الأوقات لفضلها، ويتركها في بعضها خشية أن تفرض، كما ذكرته عائشة.
ويتأول قولها: "ما كان يصليها إلا أن يجيء من مغيبه" على أن معناه ما رأيته، كما قالت في الرواية الثانية: (ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه و سلم- يصلي سبحة الضحى) وسببه أن النبي -صلى الله عليه و سلم- ما كان يكون عند عائشة في وقت الضحى إلا في نادر من الأوقات، فإنه قد يكون في ذلك مسافراً، وقد يكون حاضراً، ولكنه في المسجد، أو في موضع آخر، وإذا كان عند نسائه، فإنما كان لها يوم من تسعة، فيصح قولها ما رأيته يصليها وتكون قد علمت بخبره أو خبر غيره أنه صلاها. أو يقال: قولها: (ما كان يصليها) أي: ما كان يداوم عليها، فيكون نفيها نفياً للمداومة، لا لأصلها والله أعلم". وبما ذكره النووي يزال ما يبدو بين الروايات من تعارض، ويظهر وجه الجمع بينها.