زيادة الثقة: هي أن يروي جماعة حديثاً بإسناد واحد، فيأتي بعض الرواة الثقات فيزيد فيه زيادة لم يذكرها غيره من الرواة، سواء كانت الزيادة في السند أم في المتن، أم فيهما جميعاً، وتشمل ما إذا كان الثقة واحداً أم أكثر، أو إذا كانت الزيادة صحيحة أم ضعيفة، ولا يدخل في هذا ما يذكره الصحابة الكرام رضوان الله عليهم من زيادات، فإنها كلها مقبولة دون خلاف لعدالتهم.
وتعد زيادة الثقة من أهم مسائل علوم الحديث، وقد كانت وما زالت محل اهتمام العلماء قديماً وحديثاً، ولكن ورغم كل هذا الاهتمام فإنه ما يزال يكتنفها الكثير من الغموض، من حيث كونها مقبولة مطلقاً، أم غير مقبولة، وقد دل عمل العلماء في ردها مرة وقبولها أخرى أن ذلك ليس حكماً مطرداً منهم، إنما يكون القبول أو الرد بمقتضى القرائن، أو بالرجوع إلى الأصل في حال الراوي الثقة الذي زاد في الحديث، بعد التأكد من سلامته من جميع الملابسات الدالة على احتمال الخطأ أو الوهم أو النسيان منه، قال الحاكم: "والحجة فيه عندنا الحفظ والفهم والمعرفة لا غير".
وقد وردت مسألة زيادة الثقة في مواضع متفرقة من كتب المصطلح؛ مرة تحت عنوان "زيادة الثقة"، ومرة ضمن أنواع أخرى مثل: "المعلول" و"الشاذ" و"المنكر" وغيرها؛ مما أدى إلى تغاير حكم هذه المسألة على عدة أشكال مختلفة، يمكن بيان ذلك فيما يلي:
لا تقبل زيادة الثقة ولا ترد إلا بمقتضى القرائن المحيطة بها، ولا يجيد القول في بيان ذلك إلا الجهابذة من أئمة الحديث، فإن كان الراوي الذي روى هذه الزيادة أوثق وأحفظ فهي مقبولة، وإلا فهي فمردودة، ولا تكون مردودة إلا في حالة منافاتها لما رواه الناس، أما دون ذلك فالزيادة بين القبول والرد، فهذه المسألة يجب الرجوع فيها إلى كلام نقاد الحديث وحدهم، ولا يكفي في قبول زيادة الثقة الاعتماد على ثقة الراوي وإتقانه، بكونها قرينة لقبولها في بعض المرويات؛ فقد تصلح هذه القرينة في بعض الروايات دون بعض، ولا يلزم من هذا أن تكون هذه القرينة صالحة في جميع مرويات الراوي.
فالقرينة تختلف من حديث لآخر، وليس لها ضابط تقاس عليه جميع الأحاديث، قال الإمام العلائي: "ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص، وإنما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات"، وذكر الحافظ ابن حجر أن في زيادة الثقة ما هو مقبول، وما هو مردود، وذلك بحسب القرائن، وقد يكون من هذه القرائن ما يدل على أنها مدرجة في الحديث، فما تفرد به بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عدداً أو أضبط ممن لم يذكرها، فهذا لا يؤثر التعليل به، إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع، أما إن كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث تكون كالحديث المستقل فلا.
فزيادة الثقة ليست نوعاً مستقلاً من مسائل مصطلح الحديث، إنما هي متداخلة مع مسائل أخرى، مثل: تعارض الوقف والرفع، وتعارض الوصل والإرسال، وتعارض الزيادة والنقص في المتن، والشاذ والمنكر، والمزيد في متصل الأسانيد، فإذا تبين أن الراوي كان واهماً لكونه قد أدرج في الحديث ما ليس منه بسبب الاختلاط، أو نقل الحديث بالمعنى، أو غير ذلك من الأسباب فتكون تلك الزيادة معلولة، وقد تسمى رواية شاذة، أو منكرة.
ومن هنا فلا بد من تحديد المقصود من مصطلح "زيادة الثقة" وبيان علاقته ببقية أصناف علوم الحديث، كالمعلول والشاذ والمنكر، قال الإمام ابن الصلاح: "فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن الظاهر السلامة منها"، ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي، وبمخالفة غيره له مع قرائن تنضم إلى ذلك، تنبه العارف بهذا الشأن إلى إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك، فيحكم به أو يتردد فيتوقف فيه، فالمخالفة بين الرواة تكون في صور؛ كوصل المرسَل، أو رفع الموقوف، فإن زاد الثقة راوياً أو كلمة أسقطها غيره من الرواة، أصبحت مسألة زيادة الثقة داخلة في نوع العلة، فحكم الحديث الذي يتفرد به الراوي الثقة أو يخالف فيه غيره من الثقات يدور مع القرائن المحيطة به، فإذا دلت القرينة على أن الثقة حين زاد تلك الكلمة كان واهماً أو ناسياً، فتعد هذه الزيادة معلولة، أما إذا لم تدل القرينة على ذلك فتكون الزيادة صحيحة أو حسنة؛ تبعاً لدلالة القرائن المحيطة بالرواية، من حيث قوتها ووضوحها لدى النقاد.
فإذا انفرد الراوي بشيء نُظر فيه: فإن كان مخالفاً لما رواه من هو أولى منه بالحفظ وأضبط، كان ما انفرد به شاذاً مردوداً، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فيُنظر في هذا الراوي المنفرد: فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه قُبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه، فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده؛ استحسنا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيداً من ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر.
أما علاقة زيادة الثقة بالشاذ والمنكر فإنهما نوعان آخران من أنواع علوم الحديث التي تقوم عليها مسألة زيادة الثقة بشكل أساسي، وذلك إذا كان الشاذ ينقسم عند ابن الصلاح إلى الحديث الفرد المخالف، وهو ما ينفرد به الضعيف دون أن تكون فيه مخالفة لما رواه غيره، ويشمل ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أولى منه، وتكون لهذه المخالفة صور شتى، منها الزيادة والنقص في السند، أو في المتن، أو في كليهما، فإذا زاد الراوي في الحديث ما أسقطه منه من هو أولى بحفظ ذلك الحديث يكون قد دخل في القسم الأول من الشاذ، وأما إذا كان راوي الزيادة أولى بالحفظ ممن لم يذكرها في الحديث فحديثه صحيح، ولا يكون شاذاً، وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن إطلاق القبول في زيادة الثقة ينبغي أن يكون على مراعاة الأمور التي تجعل راويها أولى بحفظها.
من هنا يتبين أن زيادات الثقات منها ما يصدق عليه الشاذ والمنكر، وذلك في حالة مخالفة الزيادة لما رواه من هو أوثق منه، فيكون ما انفرد به شاذاً مردوداً، وقد حدد ابن الصلاح الشاذ والمنكر بما هو أعم مما استقر عليه غيره من علماء الحديث، فهم يذهبون إلى أن الشاذ خاص بما رواه الثقة أو الصدوق مخالفاً للأوثق أو جماعة من الثقات، وأن المنكر مقيد بما رواه الضعيف مخالفاً للثقة، بينما يرى ابن الصلاح أنه الحديث الفرد المخالف سواء كان راويه ثقة أم ضعيفاً، وأن الحديث الفرد هو الذي انفرد به الضعيف دون وجود مخالفة فيه لما رواه الآخرون. ويبين السيوطي ذلك فيقول: "والصحيح التفصيل؛ فإن كان الثقة بتفرده مخالفاً أحفظ منه وأضبط كان شاذاً مردوداً"، ثم نقل عن الحافظ ابن حجر: "أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه، وهذا هو المعتمد في حد الشاذ بحسب الاصطلاح"، فالشاذ والمنكر عند ابن حجر يجتمعان في اشتراط المخالفة، ويفترقان في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق، والمنكر راويه ضعيف، وقد غفل من سوّى بينهما، يريد ابنَ الصلاح.
يؤكد الحافظ ابن حجر وجود صلة وثيقة بين زيادة الثقة ومسألة الشاذ، ويرى أنه إن تعارض الوصل والإرسال قُدم الوصل مطلقاً سواء كان رواة الإرسال أكثر أو أقل حفظاً، أم لا، ويختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف راويه من هو أرجح منه، وإذا كان راوي الإرسال أحفظ ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة فقد ثبت كون الوصل شاذاً، فكيف يحكم له بالصحة مع شرطه في الصحة أن لا يكون شاذاً.
ومن هنا نرى أن الحديث الذي وقع فيه الاختلاف بين رواته الثقات بسبب زيادة أحدهم في سنده أو في متنه ينطبق عليه مفهوم الشاذ إذا كانت الزيادة خطأ أو وهماً، فلا يُطلق القبول فيما زاده الثقة، وهذا ما حاول الحافظ ابن حجر أن يجيب عن التناقض فيه، بأن الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذاً هم المحدثون، وأما الذين يقبلون الزيادات التي قد تكون شاذة عند المحدثين فهم أهل الفقه والأصول، فإن خولف الراوي بأرجح منه لمزيد ضبط، أو كثرة عدد، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالراجح يقال له (المحفوظ) ومقابله المرجوح ويقال له (الشاذ). فالشاذ المردود قسمان: أحدهما: الحديث الفرد المخالف، والثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف، فميزان القبول والرد هو حال الراوي المنفرد، فإن كان غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه، وإن كان بعيداً من ذلك رددنا ما انفرد به. فالقبول والرد في زيادة الثقة دائرين على حال الراوي، وهو خلاف ما سبق في نوع المعلول من دوران الحكم على القرائن. قال ابن الصلاح: "ومذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه الخطيب البغدادي أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا تفرد بها، سواء كان ذلك من شخص واحد بأن رواه ناقصاً مرة، ورواه مرة أخرى، وفيه تلك الزيادة أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصاً، خلافاً لمن رد من أهل الحديث ذلك مطلقاً، وخلافاً لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره".
ويشرح هذا قول الحافظ ابن رجب: "وقد صنف في ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب مصنفاً حسنا سماه (تمييز المزيد في متصل الأسانيد) وقسمه قسمين: أحدهما ما حكم فيه بصحة ذكر الزيادة في الإسناد وتركها، والثاني: ما حكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها، ثم إن الخطيب تناقض فذكر في كتاب الكفاية للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله كلها لا تعرف عن أحد من متقدمي الحفاظ، إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقاً كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء، وهذا يخالف تصرفه في كتاب تمييز المزيد، وقد عاب تصرفه في كتاب (تمييز المزيد) بعض محدثي الفقهاء، وطمع فيه لموافقته لهم في كتاب (الكفاية)".
أقسام زيادة الثقة
يقسم علماء الحديث كما فعل ابن الصلاح ما ينفرد به الثقات إلى ثلاثة أقسام، هي: إما أن يقع مخالفاً منافياً لما رواه سائر الثقات، فهذا حكمه الرد، وإما أن لا يكون فيه منافاة ومخالفة أصلاً لما رواه غيره، وإما أن يقع بين هاتين المرتبتين، مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث. كحديث (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين) قال الترمذي: إن مالكاً تفرد من بين الثقات بزيادة قوله: (من المسلمين).
قال الحافظ العلائي: "أما الشيخ ابن الصلاح فإنه توسط بين أهل الحديث وأئمة الأصول، وقسم الزيادة إلى ثلاثة أقسام، ففي ضوء ما بينه ابن الصلاح في مبحث زيادة الثقة؛ فالحديث المخالف لا يردُّ إلا إذا كان منافياً لما رواه سائر الناس، وبهذا أصبحت المنافاة مقياساً لرد الحديث المخالف لما رواه الناس، وبالتالي فإن رد الحديث المخالف متوقف على مخالفته لمن هو أضبط وأحفظ، وإن لم يكن منافياً لما رواه هذا الأضبط، وبين هذين المقياسين لرد الحديث المخالف فرق واضح، إلا إذا قلنا: إن المخالفة المذكورة في نوعي الشاذ والمنكر ليست على إطلاقها، وإنما بمعنى المنافاة، حيث سوى ابن الصلاح بين هذا القسم الأول وبين ما وقع في الشاذ والمنكر في سبب رد الحديث".
أما معنى كلمة "المنافاة" فقد جاء عن الحافظ ابن حجر عدة أقوال في تفسيرها منها قوله: "إما أن تكون (الزيادة) منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى"، ومنها قوله: "إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع" ومنها: "إذا روى الضابط أو الصدوق شيئاً فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عدداً بخلاف ما روى بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين فهذا شاذ". فالمنافاة لا تعد قيداً زائداً على المخالفة التي لا تكون على إطلاقها عند المحدثين النقاد. إنما الحكم في زيادة الثقة أو فيما ينفرد به عموماً متوقف على نوعية القرائن والملابسات التي تحتف بها، وقال العلائي: "كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث حديث. هذا والله تعالى أعلم.