أيها العبد الحائر الحزين، التائه بين أدران الفلسفات والمذاهب الفكريّة، الإسلام هو باب الفرج. تلك هي البصيرة الأولى التي أهديك بين يدي هذه المقالة، لا أطلب إلا أن تتأمّل نورها، وتشاهد شعاعها إن شئتَ. فالإسلام يطلب منك أن تخرج من ظلمات { الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا } ( الكهف : 101)، لتدخل باب { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } ( ق :37 ).
فأيقظ قلبك الغافل، وألق السمع وأنصت، لنور الوحي من جهة، ولنداءات فطرتك من جهة ثانية، ثم شاهد معي، فإنما الكلمات مشاهدةٌ، ومن شاهدَ استعدّ استعدادا لتلقّي كلام الوحي من خالق الكون.
أنظر معي الكون وشساعته، والعالمَ المشاهد بقوانينه المحكمة، فهل هذا نتاج صدفة لا تعي ؟ أم نتاج عشوائيّة لا تصنع إلا عشوائيّاتٍ أكبر ؟
تأمّل معي الأرض في دورتها كيف تجري محدثةً الليل والنهار! تسير مع الشمس إلى محطّتها الأخيرة، واستحضر في ثنائيّة الليل والنهار كيف يجري عمرك، سويعاتٍ ثم أيّاماً، ثم سنواتٍ، فنحن هنا مسافرون مع الأرض كرهاً لا طوعاً، فعمرك رحلةٌ ليسَ بيديكَ بدءها ومنتهاها، لا تملك إيقافها أو إبطاءها ثانيةً بل جزءاً منها ! مستحضراً فكرةَ الموتِ، وما أدراك ما الموتُ؟ ساعةُ الحقيقة الكبرى، هادمُ اللذّات ومرعبُ الفلاسفة ! { يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه } ( الانشقاق : 6).
نعم أنتَ ملاقيه لا بدّ، سواءٌ آمنتَ بوجوده أم لم تؤمن، أيقنتَ برسالته أم لم توقن . لا تملك إلا أن تختار بين ثنائيّة الليل والنهار، ما بين ظلماتِ الكفر، أو أنوار الإيمان، والسّعيد من جعل شمس الإسلام في حياته منيرة حيث الخلود الجميل والنّعم التي لا تفنى !
وحشةٌ مظلمةٌ تعيشها، تلكَ طريق الشيطان، أنسه موحش مظلمٌ، فإلى متى ستبقَى هكذا ؟ آ الشيطان أحقّ بك أم الله ؟ ففي الجانب الآخر المؤمن يعيش في أنس الله تعالى، وسطَ طريق النّور والعالم العلويّ { الله نور السماوات والأرض } ( النور : 35 ) . فاحرص أن تختار اتجاهك، فإنما سرّ الكون في الاتجاه.
فأن تسلك في طريق النور لا يكون إلا بثلاثة أسبابٍ تدخلها، وأن تعرض عنه فبثلاثة موانع تقطع حبالها وشراكها.
أما الأسباب : أن تؤمن بالله وتدخل باب التقّرب إليه، وتذوق المحبّة العظيمة، وتطلب الولاية المنيرة، ومنتهاها الفردوس الأعلى.
وأما الموانع فمنتهاها الدرك الأسفل من النّار : ففتنة النّفس، وفتنة الشيطان، وفتنة الزّمان، فللنّفس أهوائها التي تؤثر على العقل وتمسخ الفطرة، وللشيطان وسوسةٌ تأتيك على شكل خواطر لا تخنس إلا بالذكر الربّانيّ، وللزّمان شراكٌ رهيبٌ، حيث الفتن متتابعة، والآراء الهدّامة كثيرة، والفلسفات الباطلة مزخرفةٌ عديدةٌ، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( تكون بين يدي الساعة فتنٌ كقطع الليل المظلم، يصبح فيها الرّجل مؤمناً ويمسي كافرا، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع أقوامٌ دينهم بعرض من الدنيا ) رواه الترمذي وصححه الألباني.
فالبارحة فقط كنتَ مؤمناً فنظرتَ برنامجاً مُهلكاً فكفرتَ، وكنتَ كافراً فقرأتَ كتاباً فآمنتَ، وبدأتَ تحير وتنتقل من حالٍ إلى حالٍ ومردُّ ذلك إلى المحن والفتن في هذا الزّمان ! وهل في ذلك شكّ للمبصر في حال العالم اليوم ؟ مصداقاً لحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرف على أطم من آطام المدينة – حصن مربع مبني بحجارة على هيأةٍ مربّعة – ثم قال : هل ترون ما أرى ؟ إني لأرى مواقع الفتن من خلال بيوتكم كمواقع القطر. ) متفق عليه.
ثمّ تتفتّق عبقريّة الشيطان اليوم عن أسوأ ما عرفته البشريّة من الفتن، في اختراق الشعوب، وضربها في قيمها وثقافتها، في هويّتها وعقيدتها، عن طريق العولمة الشّاملة، وتصدير القيم والمذاهب عن طريق القنوات الإعلاميّة والمنابر المسموعة والمكتوبة، والفنون والأفلام والأغاني !
إنّ الإنسان اليوم يفقد سكينة الإيمان، ويدخل إلى جحيم العدميّة المهلكة، والحيرة القاتلة، تجرّدهم من قيم الدّين، لتصنع الإنسان المتمرّد على الله، متمرّدٌ نعم لكنّه خاضع لعبوديّة الشيطان ذلك المخلوق الأشر، لتتدنّى البشريّة من عبادة الخالق إلى عبادة المخلوق، ولكلٍّ عباداتٌ مختلفةٌ، وقُرباتٌ متناقضةٌ !
إنّ الواجب عليك أيّها الحائر أن تبادر إلى الفرار إلى الله تعالى قبل فواتِ الأوان { ففرّوا إلى الله إنّي لكم منه نذير مبين } ( الذاريات : 50 )، والفرار إليه لا يكون إلا بالإيمان بدينه، والاعتصام بكتابه لكي تصل إلى برّ الأمان.
في وقتٍ يفرض فيها الإسلام نفسه كدين البشريّة الأوّل بامتياز، بحججه المنطقيّة وأدلّته القويّة، ولتعلم أن فتنة هذا العصر إنما هي بداية خيرٍ جديد، يطلّ بأنواره على البشريّة في قمّة حيرتها، وتعبها، هذا الخير هو بزوغ عصر القرآن، فإما أن تركب موكب الربّانييّن فتكون من الفائزين، وإما أن تبقى مع المتخلّفين الخاسرين.
وما محور العروة الوثقى على هذا الموقع المبارك إلا تسهيلا لك على قبول الحق وإدراكه، فاقرأ وتدبّر وأبصر، هذه كلمات البدء التي أهديك فخذ لها وقتاً للتدبّر والتأمّل، وارتقب البصيرة الثّانية تكون إن شاء الله من النّاجين.
- الكاتب:
أبو عبد الرحمن الإدريسي-إسلام ويب - التصنيف:
تعزيز اليقين