تبرز أهمية معرفة معاني غريب الحديث النبوي في أحاديث الأحكام، فكلما تعلق بالحديث اعتقاد أو عمل زادت أهميته، وتوجَّب تعلمُ معناه، ولا شك أن الصلاة التي هي أعظم الشعائر الظاهرة؛ ذات الأهمية البالغة في حياة المسلم، وقد وردت - في أحاديث السنة المتعلقة بالصلاة - ألفاظ ٌهي من غريب الحديث منها:
الهَاجِرة: في الصحيحين عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة..."، وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "هجّرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما..." الحديث، أي: أتيته وقت الهاجرة، قال ابن فارس: والهَجَر والهَجِير والهَاجِرة: نصف النهار عند اشتداد الحر، وسميت هاجرة لأن الناس يسْتَكِنون في بيوتهم، كأنهم قد تهاجروا.
وورد هذا اللفظ باشتقاقات أخرى تدور حول معنى التبكير إلى الصلاة، كما في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه)، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ومثل المُهَجِّر كمثل الذي يهدي بدنة..." الحديث، المهجر أي: المبكر.
قال الخطابي: يذهب كثير من الناس إلى أن الخروج وقت الهاجرة هو وقت الزوال، وهو غلط، والصواب أنه التبكير، رواه النضر عن الخليل، قال النضر: والهاجرة إنما تكون في القَيْظ قبل الظهر بقليل وبعدها بقليل.
الْعَتَمَة: في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حَبْواً)، وفي سنن أبي داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعا: (أَعْتِموا بهذه الصلاة فإنكم قد فُضِّلْتُم بها على سائر الأمم ولم تُصَلِّها أمة قبلكم)، وفي المسند عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يَغْلِبَنَّكم الأعراب على اسم صلاتكم فإنها العشاء، إنما يدعونها العَتَمَة لِإِعْتَامِهم بالإبل لحِلابها).
قال ابن الجوزي: والعتمة ظلام الليل، وأصله أن العرب كانوا يُرِيحون نَعَمَهم بعد المغرب ويُنِيْخونها في مَرَاحِها ساعة، فإذا مرت قطعة من الليل حلبوها وتلك الساعة تسمى عتمة وأصل العَتَم من كْلام العرب: المكث والاحتباس.
مُتَلَفِّعات: ورد في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يُعرفن من الغلس"، قال ابن فارس: أصل "لَفَعَ" أصل يدل على اشتمال شيء، وتلفعت المرأة بمِرْطِها: اشتملت عليه، ولفَع الشيبُ رأسَه: شَمِلَهُ، وتلفَّع الشجر: تجلَّل بالخضرة، والتَفَعَت الأرض بالنبات: اخْضَارَّت.
مُرُوْط: في الحديث المتقدم "متلفعات بمُرُوطِهِنَّ ما يعرفن من الغلس"، وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك قالت: "فعثرت في مِرْطِها"، وفي البخاري: "إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قسم مُرُوْطاً بين نساء من نساء المدينة فبقي مرط جيد..." الحديث.
والمُرُوْط: جمع مِرْط، وهي: أكسية من صوف كانوا يأْتَزِرون بها، وربما كانت من خَزٍّ أو غيره. وتَمَرَّط الشعر أي تساقط، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت فتمرط شعرها".
يَكْلَؤُنا: في سنن أبي داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا فقال: (من يكلؤنا) الحديث، وفي البخاري عن بلال مثله، ومعنى يكلؤنا: يَرْقُبُنا ويحرسنا حتى لا ننام عن صلاة الفجر؛ لأن الكَلْأَ هو الحفظ.
وبالله التوفيق.