يُعرّف أهلُ اللُّغة (المَثَل) بأنّه: الشّيء الّذي يُضرب لشيءٍ مَثَلًا، فيُجعَل مِثْلَه، أو هو: الصِّفة، والتّمثيل، والخبر، والعِبْرة، والمِقْدار.
وأمَّا في الاصطلاح فقد تبايت التّعريفات؛ ومنها: (المَثَل): جُملة من القول مقتطفة من كلام، أو مرسلة بذاتها، تُنقل ممّن وردت فيه إلى مشابهه دون تغيير، وقيل: هو قولٌ سائرٌ يُشبَّهُ فيه حالُ الثّاني بالأوّل، والأصل فيه التّشبيه.
والنَّاظر بعين الفاحص يجد أنَّ المكتبة العربيّة تزخر بالمؤلّفات الّتي تناولت الأمثال عمومًا، بداية من الأمثال القرآنيّة والأمثال القديمة والعامّيّة، لكنَّ الأمر لم يكن كذلك بالنّسبة للأمثال النّبويّة؛ فما كُتب حولها كان شحيحًا، وهذا الشُّحُّ خلا من التّبويب، والمقارنة، والدّراسة اللُّغويّة المُعمّقة.
ولعلَّ من المناسب في هذا السّياق الإشارة - في عُجالة - إلى أبرز الجهود لجَمْع الأمثال النّبويّة، بداية بإفراد فصل خاصّ بها، كما فعل الإمام محمّد بن عيسى بن سورة بن الضّحّاك التّرمذيّ صاحب السُّنن، حين جمع أربعة عشر مثالًا نبويًّا، ثُمّ جاء محمّد بن عليّ بن الحسن الحكيم التّرمذيّ الّذي جمع سبعة وعشرين منها، وكان أبو عبيد القاسم بن سلام قد أورد ثلاثين مثالًا نبويًّا في كتابه (الأمثال)، أمّا أحمد بن محمّد بن أحمد الميدانيّ النّيسابوريّ فقد أفرد بابًا لهذه الأمثال النّبويّة، فجمع ثمانية وخمسين منها، ثُمّ عبد الرّحمن بن أبي بكر بن محمّد الخضيريّ السّيوطيّ الّذي جمع اثنين وأربعين مثالًا.
وفي عصرنا الحديث كانت هناك بعض الدّراسات اللُّغويّة القليلة الّتي تناولت الأحاديث النّبويّة الصّحيحة، بَلْهَ الأمثال النّبويّة.
وفي بحث مختصّ بدراسة الأمثال النّبويّة الواردة في صحيح البخاريّ دراسة لُغويّة دلاليّة؛ وجد البحثُ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يتمثّل كلام مَن قبله، وأنَّ جزءًا كبيرًا من الأحاديث النّبويّة الواردة في صحيح البخاريّ مِن قبيل "المَثَل القياسيّ"، أو التّصويريّ؛ وهو سرد وصفيّ، أو قصصيّ، أو صورة بيانيّة لتوضيح فكرة ما عن طريق التّشبيه، والتّمثيل، لتقريب المعقول من المحسوس، أو أحد المحسوسين من الآخر، ويسمّيه البلاغيّون: التّمثيل المركّب.
وهناك جزءٌ من الأحاديث النّبويّة الواردة في صحيح البخاريّ هي من قبيل "المَثَل السّائر" لكونها قد شاعت على ألسنة النّاس؛ وهو مَثَل موجز سائر، إمَّا شعبيّ لا تكلّف فيه، وإمّا كتابيّ، كقول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام: (إنّ من البيان لسِحْرًا)، ويُستفاد من ضرب الأمثال في الأحاديث النّبويّة أمور كثيرة؛ منها: التّذكير، والوعظ، والحثّ، والزّجر، والاعتبار، وتفخيم الأمر، أو تحقيره.
وعندما عرض الباحثون الأمثال النّبويّة الواردة في الأحاديث الصّحيحة على مائدة البحث اللّغوي، خلصوا إلى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد استخدم أدوات توضيحيّة عدّة في أسلوب عرض المثل النّبويّ؛ ومن ذلك:
1- الاستعانة بالأصابع: في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (بُعثتُ أنا والسّاعة - كهذه من هذه، أو - كهاتين)، وقَرَن بين السّبّابة والوسطى، وفي حديث أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه من قوله صلّى الله عليه وسلّم: (المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشدّ بعضُه بعضًا - وشبَّك أصابعه -) متفق عليه.
2- الاستعانة بالرّسم التّوضيحيّ: ففي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خَطّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خطًّا مُربّعًا، وخَطّ خطًّا في الوسط خارجًا منه، وخَطّ خُططًا صغارًا إلى هذا الّذي في الوسط من جانبه الّذي في الوسط؛ وقال: (هذا الإنسان، وهذا أجلُه محيط به، وهذا الّذي هو خارجٌ أمَلُهُ، وهذه الخُطَطُ الصّغارُ الأعراضُ، فإنْ أخطأهُ هذا نَهَشَهُ هذا، وإنْ أخطأهُ هذا نهشه هذا) رواه البخاري.
وفي رواية أخرى في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: خَطَّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم خطًّا، وخطّ خطّيْن عن يمينه، وخطّيْن عن يساره، ثُمّ وضع يده في الخطّ الأوسط؛ فقال: (هذا سبيل الله)، ثُمّ تلا هذه الآية: {وأنَّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه، ولا تتّبعوا السُّبُل فتفرّق بكم عن سبيله} (الأنعام: 153).
3- الاستعانة بالأدوات التّوضيحيّة من البيئة المحيطة: ففي حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: غَرَزَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بين يديه غَرْزًا، ثُمّ غَرَزَ إلى جنبه آخر، ثُمّ غَرَزَ الثّالثَ فأبعده، ثُمّ قال: (هل تدرون ما هذا؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (هذا الإنسان، وهذا أجلُه، وهذا أملُه، يتعاطى الأملَ، والأجلُ يَخْتَلِجُهُ دون ذلك) رواه أحمد بإسناد صحيح.
وسوف نأتي على بقية هذا الموضوع في مقالات لاحقة بإذن الله تعالى.