ولد الإمام الحافظ المُحدِّث الثَّقة الرّحّال علم المُعمّرين أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشّامي الطّبراني بمدينة عكّا بالدّيار الفلسطينيّة، في شهر صفر سنة ستّين ومئتين من الهجرة النّبوية الشّريفة، واشتهر بـ"الطّبرانيّ" نسبة إلى طبريّة الشّام، وكانت أمّه عكّاويّة.
نشأته وتعلمه:
نشأ سليمان الطّبرانيّ في بيت علم وفضل، وبدأ سماع الحديث صغيرًا، حيث كان سماعه سنة ثلاث وسبعين ومئتين، ورحل في الطّلب بصحبة أبيه إلى الحجاز واليمن ومصر والعراق وفارس والجزيرة، وبقي في الارتحال ستة عشر عامًا، ثمّ استوطن أصبهان، وأقام بها نحوًا من ستّين سنةً ينشر العلم ويؤلّفه.
وإنّما وصل إلى العراق بعد فراغه من مصر والشّام والحجاز واليمن، وإلّا فلو قصد العراق أولًا لأدرك إسنادًا عظيمًا.
كانت بدايته المُبكّرة في الطّلب والرِّحلة سببًا في كثرة شيوخه الّذين تلقّى عنهم، فقد روى عن: أبي زُرعة الدّمشقي، وإدريس بن جعفر العطّار، وإسحاق بن إبراهيم الدَّبري، وعلي بن عبد العزيز البغوي، ومقدام بن داود الرُّعيني، وأحمد بن عبد الوهاب الحوطي، وأحمد بن إبراهيم البسري، وإبراهيم بن سويد الشّامي، وبكر بن سهل الدّمياطي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وعبد الرّحيم بن عبد الله البرقي، وعثمان بن عمر الضّبي، ومحمد بن محمد التّمّار، وخلقًا كثيرًا يبلغون الألف أو يزيدون.
وحدّث عنه: الحافظ ابن عقدة، وأبو خليفة الجمحي، ومحمد بن إسحاق بن منده، وأبو نُعيم الأصبهاني، وأبو الفضل محمد بن أحمد الجارودي، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الصّحّاف، وأبو سعيد النّقاش، والحسين بن أحمد بن المرزبان، والفضل بن عبيد الله بن شهريار، ومحمد بن عبد الله بن شمّة، وبشر بن محمد الميهني، وخلقٌ سواهم كثيرون.
مناقبه وثناء الأئمة عليه:
كان الإمام الطّبرانيّ من العلماء الأفذاذ، ومن أئمة الحديث والسِّير، ومن المُصنّفين البارعين، حيث كتب عمّن أقبل وأدبر، وبرع في هذا الشّأن، وجمع وصنّف، وعُمِّر دهرًا طويلًا، وازدحم عليه المُحدِّثون، ورحلوا إليه من الأقطار، وأكثر مصنّفاته شهرةً: المعاجم الثلاثة (المُعجم الصّغير، والمُعجم الأوسط، والمُعجم الكبير).
قال عنه الحافظ ابن منده: "أبو القاسم الطّبرانيّ أحد الحفّاظ المذكورين"، وقال عنه الإمام الذّهبيُّ في (سير أعلام النُّبلاء): "ولم يزل حديث الطّبرانيّ رائجًا، نافقًا، مرغوبًا فيه، ولا سيّما في زمان صاحبه ابن زيدة، فقد سمع منه خلائق.."، وقال عنه في (تاريخ الإسلام): "الحافظ المشهور مُسْنَد الدنيا، وكان من فرسان هذا الشّأن مع الصّدق والأمانة".
وقال عنه الإمام أبو بكر بن أبي علي المعدّل: "الطّبرانيُّ أشهر من أن يُدل على فضله وعلمه، وكان واسع العلم، كثير التّصانيف"، وقيل: ذهبت عيناه في آخر أيامه.
وفاته:
تُوفِّي الإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد الشّامي الطّبراني لليلتين بقيتا من شهر ذي القعدة سنة ستّين وثلاث مئة من الهجرة، بأصبهان، بعد أن تجاوز المئة عام بعشرة أشهر، رحمه الله رحمة واسعة.