حينما قالت العرب: لا في العير ولا في النفير، أصابت كبد الحقيقة، وأن ثمة أناسا لا تعلموا ولا صعِدوا القمر، وشغلهم الثقافي الشاغل، التشويش والتشغيب والتعويق، وصنع مطبات في السكك الثقافية..! مما هو تجسيد للشخصية السلبية اللاهثة...!
ومشغّبُ الأفكار ليس بسالبٍ ... بل مفلس في عالم الْكتّابِ..!
• وثمرة ذلك عندهم، سد الأفق، أو الجنوح وتعرض لناهضٍ وإيجابي، وإشاعة مناخ السلبية وتكريس الكسل والهوان..!
• يقال إن بعض وسائل الإعلام و الصحف تتأكل على التشغيب الصحافي وتصنع مدرسة كبرى للإلهاء والإشغال .
• وظاهرة التشغيب الثقافي حالة غير نظامية ولا أخلاقية ولا قانونية تهدف للصرف والإشغال والتعكير..! وتحاول فئات أن تشرعنها أو تمنطقها..! وما أطيب قول المتنبي:
وما انتفاعُ أخي الدنيا بناظره... إذا استوت عنده الأنوار والظلمُ
• وقد تأتي في شكل الاستظراف للجذب ومزيد الإلهاء ، وما أكثر المحبين للملهاة، أو عشاق التوافه..! وللطغرائي المبدع:
قد رشحوك لأمرٍ لو فطنتَ له... فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ !
• ولديها عناصر يومية بمواويلها المزعجة ثقافيا واجتماعيا ، وتحاول جر القرّاء لنقاط محددة، وصرفهم عن قضاياهم الحقيقية .
• وثمة أقلام بلا أفهام، وأحبار بلا حِجى وأنوار، وتزعم التنوير الثقافي، ولا زالت تلوك مراجيح الطفولة، وترنمات القدم والبِلى..!
• وهذا المشاغب ليس له وجهة ويمتلك جامعية مدهشة ترميه كل يوم في جهة ، فمن شكل الخدمات إلى الثقافة وترنماتها، فالدين وفتاويه، وانتهاء بالتجارة والاحتباس الحراري .
• وبعضهم يأخذ قليلا في قضايا الأمة الفكرية والثقافية والاجتماعية ثم المحلية ويحاول أن يظهر بصورة الناقد الغيور،،، ولكنها شكل تهريجي تشغيبي لا انتهاء له..!
• فئة غير قليلة تُمارس هذا اللون من المسار الثقافي، زاعمة الفهم وبلوغ الوعي، ونشدان الاتزان والإصلاح ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ) سورة البقرة .
• ولها يوميات خاصة لصرف الأنظار، وفتح الآفاق، وشق الآبار والطرق...!حتى يضيع الناس البئر الكبيرة ...!
• ثمة وكالات ومواقع وشخوص متضخمة تتأكل على هذا اللون من السلوك الثقافي، وتراهن عليه اقتصاديا واجتماعيا وإلهائيا..!
• ولكنها مع مرور الأيام وطول المواويل والإكثار الإنشائي تنتهي للإفلاس والسراب..! ولم يعد لديها ما تقدمه للقراء.
• وأحيانا سائق المشاغب أهواء نفسية وأزمات داخلية من الشعور بالنقص، أو الضياع، أو غياب الهوية، أو محاولات الضجيج بلا إثمار ..! ويرى أن قيمته الثقافية تصقل وتبين من خلال هذه اللوحة المرسومة لذاته، وقد قال المتنبي:
لهوى النفوس سريرةٌ لا تُعلمُ ...عرَضاً نظرتُ وخلتُ أني أسلمُ
• ودعوى بعضهم أن الصحافة إثارة وإشغال،، ! ولكنها مرتهنة بالمفيد المجدي، وليس الإثقال والإملال والسخف والصفق..!
• وقد تجد كتاب أعمدة وزوايا ومتوترين أو سنابيين لا طائل منهم إلا التشغيب السطحي، والترقيم الخاوي، فإذا نتاجهم خاوٍ على عروشه، ضائع في مقاصده... حتى إنه ليصح فيهم:
فدعْ عنك الكتابة لستَ منها ... ولو سودتَ وجهَك بالمدادِ..!
• ولما قال القصيمي: العرب ظاهرة صوتية،وسار بها الناس نقدا للخطباء والمعبرين والمهرجين، وتقليلا من الكلام المفيد،، صدقه بعضهم! لكن يصلح تنزلها على هؤلاء المشغبين تزييفا، أو المتعنتين تلفيقا، أو النزِقين تخريفا، أو البائسين تجديفا...!
• وكلما كان المثقف أكثر علما واتزانا، وأحسن عقلا واعتدالا، كان أبلغ لكلمته وانتشار فكره وإنتاجه..!
• ويؤسفك أن ينتهي بعضهم بثقافته من الموضع الجاد اليانع الى موضع الهزل والهزال، فإن كان ذَا باع فهو جنوح وقروح، وإلا فمتثاقف هارف، لا عقل ولا نقل..!
• وبعض حمقى المتثاقفين يروم تسجيل موقف كل لحظة، والتعكير على كل منتج، والتعليق ضد أية إيجابية، والتدخل بلا مداخلة، والإفادة بلا قلادة، والإسهام بلا سهام مسددة، فتنكشف للمتابعين سوأته، وتبدو مرتبته..! ومن قلة حياء بعضهم انطماس الحياء، وذهاب الإحساس، فيوغل كيدا ثقافيا، وتعكيرا فكريا وهو عار ٍسافر من كل اتجاه....!
• وحيث تيسر آلات التثقف وإمكانية البناء الثقافي المعتبر، لا يلقي لها بالا ويكتفي بموروثات قديمة تخلفية، وقد تجاوزها الزمن، وازدراها الناس، والله المستعان .
• وليس لديه القابلية للتعلم والتصحيح والإصلاح الذاتي والذهني، وتُصاب بالإحباط إذا تسنم هؤلاء مراتب ثقافية معتبرة، وأصدروا ما يعتقدون أنها كتب ذات قيمة، وهي أشبه ما تكون بدردشات المقاهي وسواليف المحطات...!
• قيمتك الثقافية تكمن في انتاج بارع، أو فكر ثاقب، أو نقد سديد، أو مقالات جاذبة أو تعليقات مثمرة... توحي بعقل رصين، وقلم سيال، يدفع القرّاء للمتعة والانتفاع، وليس الاستهجان والضيقة...!
• لاضير من العودة للوراء قليلا للمحاسبة والمراجعة ومزيد من التعلم والاستذكار وقد فعلها أكابر قبلك،، والحكمة: تعلم ثم أحسن تتكلم، وإلا فالإحراحات تلفّك لفاً عميقا، وتنزلك واديا سحيقا..!
• وهذا لمن لديه بقية من حياء ، وإلا فالحكمة النبوية الرائعة ( إن مما أدرك الناس من النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت ).
• ونقبس منها الحياء العلمي، والذي يحمل صاحبه على عدم الترقيع والتأكيد بلا برهان واطلاع سليم..!
• والحياء الثقافي، المانع من مشاركات تافهة، أو زوايا مهلهلة، أو نقدات جوفاء، ينبئك عنوانها بالضحالة والجهالة...! وقد صح قوله صلى الله عليه وسلم:( المتشبِّع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور ) ، والله الموفق .