تفيد معاجم اللغة أن مادة (صنع) تدل على عمل شيء ما؛ يقال: صنع الشيء صَنْعاً وصُنْعاً -بالفتح والضم- أي: عمله، فهو مصنوع، وصنيع. والصنيع: الطعام يُصْنَع، فيُدعى إليه. يقال: كنت في صنيع فلان، وهو مجاز. والصنيع: الإحسان والمعروف. وفي الحديث: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء) رواه الطبراني في الأوسط والكبير. ومن المجاز: هو صنيعي، وصنيعتي، أي: اصطنعته، وربيته، وخرَّجته، وأدَّبته. وصنع إليه معروفاً، صُنعاً -بالضم- أي: قدمه، وكذلك اصطنعه. وصنع به صنيعاً قبيحاً، أي: فعله. و(المصانع) جمع مصنع، وهو ما صُنِع وأُتقن في بنائه من قصر مشيد، وحصن منيع، ونحوهما. و(اصطنعت) عند فلان صنيعة. و(اصطنعت) فلاناً لنفسي، أي: اخترته لخاصة أمري. و(الاصطناع) صُنْع الشيء باعتناء.
قال الراغب الأصفهاني: (الصنع) إجادة الفعل؛ فكل صُنْع فِعْلٌ، وليس كل فِعْلٍ صُنْعاً، ولا ينسب إلى الحيوانات والجمادات، كما ينسب إليها الفعل. وللإجادة يقال للحاذق المجيد: صَنَعٌ، وللحاذقة المجيدة: صَنَاعٌ، والصنيعة: ما اصطنعتُه من خير، وفرس صَنِيع: أُحْسِنَ القيام عليه. و(التصنع) حُسْنُ السمت. و(المَصْنَعة) الحوض يُجمع فيها ماء المطر، وكذلك الصِّنْع. و(المصانعة) هي كالرشوة. وصانعه عن الشيء: خادعه عنه. ويقال: صانعت فلاناً، أي: رافقته.
قال ابن عاشور: "واعلم أن (الصنع) يُطلق على العمل المتقن في الخير، أو الشر، قال تعالى: {تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر} (طه:69). وقولهم: بئس ما صنعت، هو على معنى التخطئة لمن ظن أنه فعل فعلاً حسناً، ولم يتفطن لقبحه. فـ (الصُّنْع) إذا أُطلق انصرف للعمل الجيد النافع، وإذا أريد به غير ذلك، وجب تقييده على أنه قليل، أو تهكم، أو مشاكلة".
ومادة (صنع) وردت في القرآن في عشرين موضعاً فقط، وردت في ستة عشر موضعاً بصيغة الفعل، من ذلك قوله سبحانه: {إن الله عليم بما يصنعون} (فاطر:8) ووردت بصيغة الاسم في أربعة مواضع، منها قوله سبحانه: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} (النمل:88).
وأكثر ما وردت مادة صنع ومشتقتها في القرآن بمعنى الفعل، خيراً أم شرًّا؛ ومن أمثلة ما ورد بحسب هذا المعنى قوله تعالى: {وحبط ما صنعوا فيها} (هود:16) ، يقول: وذهب ما عملوا في الدنيا. ومنه أيضاً قوله سبحانه: {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة} (الرعد:31) قال قتادة: أي: بأعمالهم أعمال السوء. ومنه أيضاً قول الباري سبحانه: {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} (الكهف:104) أي: وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون. ومن هذا القبيل قوله عز وجل: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} (النمل:88) أي: هذا من فعل الله، وما هو فعل منه فهو متقن.
ووردت مادة (صنع) في موضع واحد بمعنى الاصطفاء والاختصاص، وذلك قوله عز وجل في خطاب نبيه موسى عليه السلام: {واصطنعتك لنفسي} (طه:41) قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: اصطفيتك لوحي ورسالتي. وقال ابن عطية: "معناه جعلتك موضع الصّنِيعة، ومقر الإجمال، والإحسان". وقال الزبيدي في معنى الآية: أي: "اخترتك لإقامة حجتي، وجعلتك بيني وبين خلقي، حتى صرت في الخطاب عني والتبليغ بالمنزلة التي أكون أنا بها لو خاطبتهم، واحتججت عليهم". وقال الأزهري: "أي: ربيتك لخاصة أمر أستكفيكه في فرعون وجنوده". قال ابن الأثير: "هذا تمثيل لما أعطاه الله من المنزلة والتقريب". وكل ما تقدم معان متقاربة متلازمة، يجمعها معنى الاصطفاء والاختصاص.
وجاءت مادة (صنع) في موضع واحد أيضاً بمعنى التربية والتعهد، وذلك قوله عز من قائل: {ولتصنع على عيني} (طه:39) أي: لنتعطف عليك، ولتُربى بالحنو والشفقة بمراقبتي وحفظي ورعايتي. قال السعدي رحمه الله في معنى الآية: " ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي، وأي نظر وكفالة أجلّ وأكمل، من ولاية البر الرحيم، القادر على إيصال مصالح عبده، ودفع المضار عنه؟! ". وحاصل المعنى أنه سبحانه أنعم على نبيه موسى عليه السلام هذه النعم، ومنَّ عليه هذه المنن، اجتباء منه سبحانه له، واختياراً لرسالته والبلاغ عنه، والقيام بأمره ونهيه.
وجاءت مادة (صنع) في موضع واحد كذلك بمعنى البناء والتشييد، وذلك قوله تعالى على لسان نبيه هود عليه السلام مخاطباً قومه: {وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} (الشعراء:129) قال ابن عباس: حصوناً مشيدة. قال الطبري: "المصانع جمع مصنعة، والعرب تسمي كل بناء مصنعة، وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصوراً وحصوناً مشيَّدة، وجائز أن يكون كان مآخذ للماء، ولا خبر يقطع العذر بأي ذلك كان". وقال الكلبي: {وتتخذون مصانع} أي: منازل.
وحاصل القول في مادة (صنع) أنها أكثر ما وردت في القرآن الكريم بمعنى الفعل، خيراً كان الفعل أو شراً، ووردت في موضع واحد بمعنى الاصطفاء والاختصاص، وبموضع آخر بمعنى التربية والتعهد، وبموضع أخير بمعنى البناء والتشييد. والله ولي التوفيق والتسديد.
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
ألفاظ قرآنية