مئات الأخبار والمواضيع التي تصل هواتفنا كل يوم عبر الواتس اب بل تصل أحيانا للآلاف، ومثلها تغريدات تظهر على حساباتنا في تويتر، والعديد من الرسائل البريدية، ومقاطع لا تنتهي في السناب-شات وأخرى على صفحة الفيسبوك، ومثلها على الباث.
أجزم بأننا وصلنا لعصر متخم بالمعلومات، وهذا خلاف ما كان عليه الحال قبل سنوات من الآن، أصبحت المعلومة متوفرة بشكل مبالغ فيه جدا، فجُلنا لا يجد الوقت لمتابعتها والاطلاع عليها، فضلا عن قراءتها والتعليق عليها، لذا أصبحنا نعيش بالفعل عصر تخمة المعلومات.
الإشكالية ليست فقط في الحجم الضخم من هذه المعلومات التي تصلنا فحسب، بل بمصداقية تلك الأخبار وموثوقيتها من عدمها وهل هي صحيحة أم لا، والعامل الثاني الذي لا يقل أهمية هو في كون تلك المعلومات ليست في دائرة الاهتمام، بل إن أغلب المعلومات التي تصلنا عبر الواتساب وغيرها من الوسائل هي باختصار “مضيعة للوقت”!
التحديات الثلاثة
لذا أصبح أمام الجهات الإعلامية ثلاثة تحديات مهمة في هذا العصر:
الأول: في آلية التحقق من مصداقيتها.
والثاني: في تصنيفها وفرزها.
والثالث في إعادة صياغة المحتوى واختصارها وتقنينها.
المهمة الأولى: وهي تتعلق في كيفية التحقق من مصداقية الخبر، وتعتبر من أصعب المهام بل، وأول ركائزها هو التحقق من مصادر الأخبار، فالتحليل المنطقي يقوم على أعمال التأكيد والنفي والشك الذي يركز على تحري المصادر والمعلومات، ثم فحصها بين القبول والرفض، وهذا يعتمد على معطيات ثقافية وتعليمية ومعرفية وقانونية لدى الصحفي.
وأكثر عامل ضرّ في المصداقية لدى الجهات الإعلامية هو الركض نحو السبق الصحفي، خصوصا في مجتمع إعلامي ينافس على الوقت كعامل للتميز، بالإضافة إلى الترويج بأسلوب الإثارة والمبالغة، والتي تكون بالغالب على حساب المصداقية.
الأمر الآخر: هو في تصنيف تلك المواد، وهو لا يقل أهمية عن سابقه، فليس من الطبيعي أن تضيع وقتك في تصفح مئات المواد التي ليست من ضمن قائمة اهتمامك، فالآن نحن نعيش عصر السرعة، يفترض أن تكون المواد التي تصلك هي بالفعل في دائرة اهمامك وضمن التصنيفات التي ترغبها.
ويجب أن يكون تصنيف الأخبار ومتابعتها من خلال لوائح لمواضيع محدّدة (مواد محلية، شؤون دولية، أخبار رياضية، أدب وثقافة، فنون…)، أو على دول ومنطقة جغرافيّة محددة، أو حسب أحداث معينة (متابعة سوريا، أحداث اليمن.. مثلا).
فكل ما زاد تنظيم المحتوى وفق تصنيفات وتقسيمات محددة وواضحة، كل ما وفر ذلك على المتابع الكثير من الوقت في سرعة الوصول إلى المعلومة التي يرغبها، وبالتالي زيادة في الشعبية، وبالتالي تحقيق نجاح أكبر.
وبالمناسبة، لو تم التركيز على مجال واحد وترك ما سواه، لكان النجاح حليفه، ولا يكون ذلك الا بالتخصص والتخلص من “وهم الشمولية”.
أما التحدي الثالث: وهو في إعادة صياغة المحتويات واختصارها وتقنينها، فالوسائل الإعلامية لا تتوقف، بل تتغير، وبالتالي تتغير معها الصياغة المناسبة لها، فبالتأكيد أن صياغة مادة لتويتر تختلف عن الفيسبوك وتختلف عن انستجرام، كل منها له طبيعته وله نوعية خاصة من الشرائح المستهدفة.
في زمن الصحافة الورقية كان من الطبيعي أن يتجاوز الخبر حاجز 500 كلمة بل قد يصل إلى 1000 كلمة، أما الآن إذا تجاوز 150 كلمة صنف انه حشو لا فائدة منه، كذلك طبيعة المتلقي تغيرت وزادت سرعة، لذا أصبح الاختصار والتقنين هو الهدف.
لذا أصبحت المواد تعتمد على ثلاث نقاط: العنوان الموجز المختصر، والمحتوى المباشر باستخدام جمل قصيرة وبدون تفاصيل ثانوية، والنقطة الثالثة هي المعلومات الداعمة، سواء كانت نصية أو صور أو مشاهد مرئية.
ختاما، تجاوز التحديات الثلاث السابقة ليست وحدها تضمن نجاح المشروع الإعلامي، بل هي حل لإشكاليات فرضها الواقع الحالي وسلوك الناس، ولكن لا ننسى أن هناك عوامل مهمة مثل: سرعة اصطياد الخبر، ومهارات ابتكار المواد، وتفعيل الحس الإعلامي، وهي العوامل التي تعزز من نجاح هذه المشاريع الإعلامية.