من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه بعد أداء ما افترض الله عليه من العبادات والطاعات، الإحسان إلى الخلق، وأداء حقوقهم، وذلك بأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، وكما أن العبد يتطلع إلى أن يتجاوز عنه ربه، ويعفو ويصفح عن زلاته التي قد تكون مهلكته يوم الدين، فكذلك ينبغي أن يتعامل مع الخلق في التجاوز، والصفح، وإقالة العثرات.
فعن عائشة وعمرة رضي الله عنهما قالتا : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَقِيلُوا ذَوي الهَيئَات عَثَراتِهم إلاَّ الحدود) .رواه أبو داود النسائي.
في هذا الحديث إرشاد وتوجيه نبوي بإقالة ذوي الهيئات عثراتهم إلا في حد من حدود الله كما في الحديث، والنَّاس في ذلك على ضربين:
من كان مستوراً لا يُعرف بشيءٍ مِنَ المعاصي، فإذا وقعت منه هفوةٌ، أو زلَّةٌ، فإنَّه لا يجوزُ كشفها، ولا هتكُها، ولا التَّحدُّث بها، لأنَّ ذلك غيبةٌ محرَّمة.
وأما من كان مشتهراً بالمعاصي، معلناً بها لا يُبالي بما ارتكبَ منها، ولا بما قيل له، فهذا هو الفاجرُ المُعلِنُ، وليس له غيبة، كما نصَّ على ذلك الحسنُ البصريُّ وغيره.
الإقالة : هنا العفو والسماح والعثرات: جمع عثرة وهي الزلة والخطيئة.
ويحتل خلُق إقالة العثرات في الإسلام منزلة عظيمة وذلك لأنه دليل على حسن الخلق الذي حث عليه الإسلام في التعامل مع الناس، بقوله: ( وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي، كما أنه سبب من أسباب الألفة والمحبة وتقوية الروابط بين أفراد المجتمع.
وله فضائل عظيمة :
ـ منها أنه دليل الرحمة والعطف بالمسيء، وتقدير لجانب ضعفه البشري، وامتثال لأمر الله، وطلب لعفوه وغفرانه.
ـ منها أنه دليل الرحمة والعطف بالمسيء، وتقدير لجانب ضعفه البشري، وامتثال لأمر الله، وطلب لعفوه وغفرانه.
ـ وفيه توثيق للروابط الاجتماعية التي تتعرض إلى الوهن والانفصام، بسبب إساءة بعضهم إلى بعض، وجناية بعضهم على بعض
ـ ومن فوائد هذا الحديث : مراعاة أحوال الناس في التعزير، فيُفرق بين شخص وآخر في المؤاخذة وعدمها.
ـ أن الحدود لا تقال عن أحد مهما كان منصبه ووضعه.
والسبيل إلى تحقيق هذا الخلُق الحسن يكون:
ـ بالاعتناء بسلامة الصدر وصفاء القلب، وفي الحديث: ( ألا إنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ) رواه البخاري، فتقييم الناس بمجرد تتبُّع الأخطاء، وتصيد العَثرات، والغفلة عن الحسنات دليلُ فساد نيةٍ، وسوء قصد.
ـ بالاعتناء بسلامة الصدر وصفاء القلب، وفي الحديث: ( ألا إنَّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ) رواه البخاري، فتقييم الناس بمجرد تتبُّع الأخطاء، وتصيد العَثرات، والغفلة عن الحسنات دليلُ فساد نيةٍ، وسوء قصد.
ـ بالعلم بأنَّ هذا الذي وقع في عثرة من العثرات، أو سيئة من السيئات، له حسنات تغطي تلك السيئات، ( إنَّ الحسنات يذهبن السيئات) (هود:114) و ليس من العدل أن تهدر حسناته لأجل عثرة واحدة، أو بعض العثرات، قال ابن المسيب رحمه الله : ليس من شريف، ولا عالم، ولا ذي فضل، إلا وفيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تُذكر عيوبه، فمن كان فضلُه أكثر من نقصه، وُهب نقصه لفضله.
ـ بالتزام العدل والانصاف في التعامل مع الناس والحكم عليهم، امتثالا لأمر الله : ( وَلا يَجرمنَّكم شنآنُ قوم على أَلَّا تَعْدِلوا اعدلوا هوَ أقرب لِلتَّقوى) ( المائدة: 8)، قال ابن تيمية رحمه الله: من سلك طريق الاعتدال، عَظَّم من يستحق التعظيم، وأحبه، ووالاه، وأعطى الحق حقه، فيعظم الحق ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيُحمد ويُذم، ويُثاب ويُعاقب، ويُحب من وجه، ويُبغض من وجه.
والخلاصة : أنه يجب على المسلم الستر على أخيه المسلم، وعدم التشهير به واغتيابه، خاصة إن كان من المستورين، فكيف إن كان من المستقيمين الصالحين، والخطأ وارد على الجميع، وكل أحد معرَّض للوقوع في العثرات.