الناظر في بعض كتب التفسير وكتب إعراب القرآن وكتب النحو يجدهم يطلقون على بعض الحروف الواردة في بعض الكلمات القرآنية بأنها زائدة، ولا ريب ليس مرادهم أنها حشو ولغو، بل مرادهم أنها زيادة من جهة قواعد الإعراب والنحو، لا من جهة المعنى.
تعريف الزوائد
الزوائد كلمات -أكثرها حروف- رأى بعضهم أنه لا حاجة لها من حيث الإعراب، فإذا أسقطت بقي الكلام تامًّا، كالباء في خبر ليس، حذفها وإثباتها سواء، نقول: (أليس الله بقادر) ونقول (أليس الله قادراً) فهي إنما يؤتى بها لتأكيد الكلام وتقويته.
وذهب فريق من أهل العلم على أنها لا تزيد المعنى شيئاً، فالمعنى سواء، إن وُجِدت أو حُذفت. ويرى بعض أهل العلم أن هذه الزيادة لا يجوز أن تكون في الكلام إلا إذا ألغي عملها، فهم ينكرون زيادة حروف الجر مثلاً؛ لأنها لا يمكن أن تكون زائدة وعاملة معاً.
ويرى بعض المعاصرين أن هذه الزوائد ظاهرة أسلوبية، فهي وإن كانت زيادة من حيث المعنى، أي يتم المعنى من دونها، إلا أنها يُسْتَملَح بها الأسلوب، وذلك ما استقر عند العرب، والقرآن إنما جاء على أسلوب العرب ونهجهم في الكلام.
وهذه الزوائد يتحاشى بعض الأئمة تسميتها بهذا الاسم؛ إجلالاً لكتاب الله تعالى، فيطلقون عليها الصلة، فـ (الباء) في خبر ليس مثلاً، لا يقولون عنها: زائدة، بل يقولون: الباء صلة.
والحقيقة أن هذه الزيادة نمت في بيئة النحاة، وترعرعت في كتاباتهم، وكان ذلك نتيجة للقواعد التي قعَّدوها، وألزموا أنفسهم بها. والمتتبع لهذه الظاهرة يرى أن أكثر النحاة قال بوجود زوائد في كتاب الله، على الرغم من أن كثيراً من العلماء والمفسرين نفى القول بالزيادة.
على أن ما سمُّوه زائداً أو صلة، عندما ننعم النظر فيه، فإننا لا نتردد أي تردد، ولا نرتاب أدنى ريب، بأن هذا الذي سموه زائداً، لم يكن للتأكيد فحسب، ولم يكن ليُجَمَّل به الإيقاع فقط، وليس ظاهرة أسلوبية كما قيل، بل هو بعد ذلك كله أمر اقتضاه المعنى، واقتضته الحكمة البيانية، والحكمة العقلية كذلك، فلو سقط من الكلام لسقط جزء من المعنى.
وليس من شك، فإن هذه الزوائد لم تكن معروفة، ولم يكن لها وجود عند أولئك الذين نزل القرآن فيهم، ولم تكن شائعة مشتهرة في خير القرون كذلك.
ومما يدلُّ على أن (الحرف) كان ذا معنى كبير عندهم ما ثبت في السنة أن عروة بن الزبير رضي الله عنه سأل خالته عائشة رضي الله عنها، فقال: أرأيتِ قول الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} البقرة:158) فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، فقالت: بئس ما قلتَ يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أوَّلتها عليه، كانت: لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار...) فهذا يدل على أن للحرف معنى لا يستقيم الكلام ولا يتسق النظم حال القول بزيادته.
موقف أئمة التفسير من القول بالزوائد
تتبع شيخ المفسرين الطبري القائلين بالزوائد، ونبه على خطر هذا القول وبطلانه، فعند تفسيره لقول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة} (البقرة:30) يرد على أبي عبيدة، الذي يرى أن (إذ) زائدة. وعند قوله سبحانه: {فقليلا ما يؤمنون} (البقرة:88) يرد على أولئك الذين يزعمون أن (ما) زائدة. وعند قوله عز وجل: {أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها} (البقرة:259) يرد على نحويي البصرة الذين يزعمون أن (الكاف) زائدة، فيقول: "وقد زعم بعض نحويي البصرة أن (الكاف) في قوله تعالى: {أو كالذي مر على قرية} زائدة، وأن المعنى: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم، أو الذي مر على قرية. وقد بينا قبل فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع".
وعند قوله سبحانه: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} (النساء:65) نجده يؤول الآية تأويلاً منافياً زيادة (لا) التي قال بعضهم بزيادتها. وكذلك عند قوله تعالى: {قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} (الأعراف:12) نجد الطبري يبسط القول مدللاً على أن (لا) عمدة في الكلام، وليست زائدة فيه، حيث يقول: "وإنما قلنا إن هذا القول أولى بالصواب؛ لما قد مضى من دلالتنا قبلُ على أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له، وأن لكل كلمة معنى صحيحاً، فتبين بذلك فساد قول من قال: (لا) في الكلام حشو لا معنى لها".
أما الزمخشري -وهو فارس من فرسان البيان- نجده لا يرتضي القول بزيادة الحروف في كثير من الآيات، وإن كنا نجده يقول بالزيادة عند تفسيره لبعض الآيات، كما نرى ذلك عند تفسيره لقوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة} (القيامة:1) فهو يرد القول بزيادة (لا) ولا يرتضي ما أجاب به القائلون بالزيادة.
والإمام الرازي يصرح في مواضع عديدة من "تفسيره" بعدم وجود زائد في القرآن، يظهر ذلك عند تفسيره لقوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت} (آل عمران:159) فهو يرى أن (ما) يمكن أن تكون استفهامية، فراراً من القول بالزيادة، وقد ردَّ عليه أبو حيان بأن ذلك غير صحيح من جهة الصناعة الإعرابية، وإن كان صحيحاً من حيث المعنى.
وهذه التفاسير الثلاثة كانت الأساس الذي اعتمد عليه كثير من المفسرين بعد، ومع ذلك فإننا نجد كثيراً من التفاسير قد تأثرت بمذاهب النحويين القائلين بالزوائد في القرآن، كما هو الحال في تفسير القاضي البيضاوي، والبحر المحيط، والجلالين، وكتب إعراب القرآن.
فإذا انتقلنا إلى العصر الحديث وجدنا أول شيخ من شيوخ التفسير في العصر الحديث الشيخ محمد عبده يرد القول بزيادة أي كلمة في كتاب الله، فهو يقول عند تفسيره لقوله تعالى: {فقليلا ما يؤمنون} (البقرة:88) "إن كثيراً من المفسرين يزعمون أن (ما) زائدة، وما هي بزائدة، وجَلَّ القرآن أن يكون فيه كَلِمٌ زائد، وإنما تأتي (ما) هذه لإفادة العموم تارة، ولتفخيم الشيء تارة" وينقل عن الطبري قوله: "إنما يؤتى بها في مثل هذا المقام كمبتدأ كلام جديد يفيد العموم، كأنه قال: فإيماناً قليلاً ذلك يؤمنون به".
وأما التي لتفخيم الشيء فكقوله سبحانه: {فبما رحمة من الله لنت} (آل عمران:159) أي: فبسبب رحمة عظيمة الشأن، خصك الله بها، لنت لهم على ما لقيت منهم، وقد بين سبحانه هذه الرحمة بقوله: {بالمؤمنين رءوف رحيم} (التوبة:128) وبقوله: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء:107).
وردَّ على ما في "تفسير الجلالين" من أن (الكاف) في قوله عز وجل: {أو كالذي مر على قرية} (البقرة:259) زائدة، قال: "وزعم الجلال أنها زائدة؛ انتصاراً لمذهب البصريين، الذين أنكروا مجيء الكاف بمعنى (مثل) ولكن المعنى لا يستقيم، كما لا يليق ببلاغة القرآن إلا على الأول" أي: أن (الكاف) بمعنى (مثل).
أما أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي فقد عرض لقضية الزوائد في كتابه القيِّم (إعجاز القرآن) ولكن بشيء من الإيجاز، وخَلَص إلى القول بأن ما سُمي زائداً من حيث الإعراب، لكن من جمال الإيقاع، وروعة النظم والزيادة في المعنى ما لا يتم حسن الكلام وروعة اللفظ إلا به. يقول: "وعلى هذا يجري كل ما ظُنَّ أنه في القرآن مزيد؛ فإن اعتبار الزيادة فيه وإقرارَها بمعناها، إنما هو نقص يُجَلُّ القرآن عنه، وليس يقول بذلك إلا رجل يعتسف الكلام، ويقضي فيه بغير علمه، أو بعلم غيره. فما في القرآن حرف واحد إلا ومعه رأي يسنح في البلاغة، من جهة نظمه، أو دلالته، أو وجه اختياره، بحيث يستحيل البتة أن يكون فيه موضع قلق، أو حرف نافر، أو جهة غير مُحكمة، أو شيء مما تنفذ في نقده الصنعة الإنسانية من أي أبواب الكلام، إن وسعها منه باب".
وعلى هذا السَّنَن في رد ما سُمي زائداً في القرآن، سار كل من الشيخ محمد عبد الله دراز، والدكتور أحمد بدوي، والشيخ عبد الرحمن تاج، ومحمد عضيمة، وبنت الشاطئ.
ما وُضِع للتأكيد لا يسمى زائداً
وثمة أمر لا بد من التنبيه عليه، وهو أنه لا بد من التفريق بين ما يصلح لأن يكون تأكيداً، وبين ما لا يصلح؛ فإذا كانت الكلمة أو الحرف مستعملاً في التوكيد، فلا ينبغي أن يوصف بالزيادة أو الإقحام؛ لذلك لم يقل أحد في قوله سبحانه: {كلا لينبذن في الحطمة} (الهمزة:4) إن (النون) هنا زائدة، بل قالوا: النون هنا للتوكيد. ولم يقل أحد في قوله تعالى: {ولأمة مؤمنة خير من مشركة} (البقرة:221) إن (اللام) هنا زائدة، بل قالوا: هي لام الابتداء، ولام الابتداء من أدوات التوكيد. ولم يقل أحد في قول الله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها} (المجادلة:1) (قد) هنا زائدة، وفي قوله سبحانه: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} (الضحى:5) (سوف) هنا زائدة، بل الذي قالوه: إن هاتين الأداتين يؤكَّدُ بهما الفعل.
وإذا كان هذا صنيعهم في كثير من أدوات التوكيد التي تقدم ذكرها، وغيرها مثل (القَسَم) و(أما) و(ألا) فما الذي دعا القائلين بـ (الزيادة) الخروج عن هذا المنهج السوي في بعض أدوات التوكيد، مثل (ما) التي تأتي بعد (إن) الشرطية في مثل قوله سبحانه: {فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم} (الأنفال:57) و(أن) التي تأتي بعد (لما) في مثل قوله عز وجل: {فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه} (يوسف:96) و(من) الاستغراقية في مثل قوله سبحانه: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} (البقرة:102) و(الباء) الواقعة في خبر ليس كما في قوله سبحانه: {أليس الله بكاف عبده} (الزمر:36).
فما دامت هذه الحروف قد سيقت للتأكيد -شأنها شأن نوني التوكيد، والقَسَم، و(إنَّ)- فلِمَ فرقوا بين هذه الكلمات، ذوات الهدف الواحد، فسموا بعضها زوائد، وقالوا: إن بعضها للتأكيد؟
أمثلة على ما ذُكِرَ أنه من الزوائد
من الأمثلة التي قيل بأن فيها حرفاً زائداً نذكر التالي:
* قوله تعالى: {فباءوا بغضب على غضب} (البقرة:90) قالوا: (الباء) هنا زائدة؛ لأن (باءوا) بمعنى استحقوا، و(استحق) لا تتعدى بـ (الباء) فلا يقال: استحق بغضب من الله، وإنما يقال: استحقوا غضياً...فـ (الباء) إذن زائدة! وتفسير (باءوا) بمعنى استحقوا لا يستقيم من حيث المعنى والسياق.
* قوله سبحانه: {وكذلك مكنا ليوسف} (يوسف:21) قالوا بزيادة (اللام) هنا؛ لأن الفعل يتعدى بنفسه، كما في قوله سبحانه: {ولقد مكناكم في الأرض} (الأعراف:10). ومن هذا القبيل قوله تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت} (الحج:26) فلقد تعدى بنفسه في مثل قول الله تعالى: {ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق} (يونس:93) وذِكْرُ الحرف تارة وحذفه أخرى، لم يجئ جزافاً، ولم يجرِ دون هدف، وإنما هي أساليب متعددة الغايات، فأسلوب الذكر يختلف عن أسلوب الحذف، وليس هنا موضع بسط القول فيه.
* قوله تعالى: {ويكفر عنكم من سيئاتكم} (البقرة:271) وقوله سبحانه: {ولقد جاءك من نبإ المرسلين} (الأنعام:34) قالوا: إن (من) في الآيتين زائدة، والصواب أنها للتبعيض.
* قوله عز وجل: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} (النور:63) ذهب بعض أهل اللغة إلى أن (عن) في الآية زائدة، وقد قال الطبري: "وأدخلت (عن) لأن معنى الكلام: فليحذر الذين يلوذون عن أمره، ويدبرون عنه معرضين".
* قوله سبحانه: {وأصلح لي في ذريتي} (الأحقاف:15) قال بعضهم: حرف الجر (في) زائد في الآية، وهو قول غير مستقيم، قال المفسرون: "قوله: {وأصلح لي في ذريتي} أي: اجعل الصلاح سارياً في ذريتي، راسخاً فيهم، وعُدِّي بـ (في) لتضمنه معنى اللطف، أي: الطف بي في ذريتي، أو نزل منزلة الفعل اللازم، ثم عُدِّي بـ (في) ليفيد سريان الصلاح فيهم، وكونهم كالظرف له؛ لتمكنه فيهم.
* قوله سبحانه: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم} (البقرة:216) قالوا: إن (الواو) في قوله {وهو} زائدة، والتقدير عند القائلين بزيادتها: وعسى أن تكرهوا شيئاً هو خيراً لكم. والحق أن هذه (الواو) هو واو الحال، يزداد بها المعنى، ويُجَمَّلُ بها اللفظ.
* قوله سبحانه: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} (آل عمران:188) قالوا: إن (الفاء) في قوله: {فلا} زائدة، وهي في الواقع إما أنها الفاء الفصيحة، التي تدل على شيء محذوف كما يقولون، أي: إذا كان فرحهم وحبهم الحمد لا يجديهم في هذه الدنيا، فإن هناك جزاء أكثر صعوبة، فلا تحسبنهم بمنجاة من ذلك العذاب. ويمكن أن توجَّه (الفاء) لتكون عاطفة عقوبتهم في الآخرة، على خيبتهم في الدنيا.
هذه أمثلة معدودة على ما قيل بأنه زائد في كتاب الله علاوة على ما جاء في أثناء هذا المقال. ولا شك فإن القول بالزيادة اعتساف وتجاوز لا يليق بكتاب الله، إنما هي حروف تؤكد المعنى، وتتجاوز التوكيد إلى ترسيخ المعنى في النفس بأصواتها وجرسها وتآلفها مع سابقها ولاحقها، وامتزاجها الضروري في سياق الآية البلاغي والنفسي امتزاج الشمس بشعاعها، والروح بجسدها، وعلى هذا النهج اللاحب يجري كل ما يُظَنُّ أنه مزيد في القرآن، وهو عند التحقيق والتدقيق ليس بزائد، بل لا بد أن يدل على معنى يتضمنه، فكتاب الله سبحانه يُجَلُّ أن يكون فيه حرف زائد، أو حشو من الكلام، فهو كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين على قلب سيد الأولين والآخرين، ليكون هدى للعالمين.
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
دراسات قرآنية