من أعظم القربات، وأجل العبادات التي يحبها الله تعالى، عبادة الصلاة، وهي من أعظم أركان الاسلام بعد الشهادتين، وتتجلى منزلتها ومكانتها في كونها العبادة الوحيدة التي فرضها الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم في حادثة الإسراء والمعراج، ثم إن جميع الأنبياء والمرسلين أمروا أقوامهم بها، فالمحافظة عليها وأداؤها بأركانها وشروطها وواجباتها من تعظيمها وتعظيم الخالق الذي شرعها، والإخلال بشيء منها إخلال بها، وسرقة منها كما جاء في الحديث.
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قالوا يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته قال لا يتم ركوعها ولا سجودها أو قال لا يقيم صلبه في الركوع والسجود) رواه أحمد.
وفي رواية البيهقي في شعب الإيمان: ( لا يتم ركوعها و لا سجودها و لا خشوعها) . وهذه جملة بيانية لقوله: يسرق، فكل من لا يتم هذه الأركان ويحقق الطمأنينة فهو سارق لصلاته، وصلاته باطلة، كما عند الترمذي وصححه عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود).
ومقصود النبي صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث أن يعلم أمته أن الإخلال بإتمام الركوع والسجود إخلال بالأمانة التي وكِّل العبد بها، وقد يكون أسوأ مما تقرر عند الناس سوءه من صور عدم حفظ الأمانة، وإنما خص الركوع والسجود لأن الإخلال في الغالب إنما يقع بهما، وسماه سرقة على معنى أنه خيانة فيما اؤتمن على أدائه. قاله الباجي رحمه الله.
وبهذا يعلم أنه ليست العِبرة في الأمر بالصلاة الأداء، بقدر ما هي العبرة بإقامتها بأركانها وتحقيق خشوعها، وروى البخاري عن زيد بن وهب قال: ( رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع والسجود قال: ما صليت، ولو متَّ متَّ على غير الفطرة التي فطر الله محمدا صلى الله عليه وسلم).
وعند البزار في مسنده وفيه: ( منذ كم صليت هذه الصلاة ؟ قال : منذ كذا وكذا، قال : لو متَّ متَّ على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم ).
وهو يبين أن الرجل قد يصلي برهة من عمره وهو لا يتم الركوع ولا السجود، ولا يحقق الطمأنية في صلاته، فيكون على خطر عظيم، فحري بكل مسلم أن يتعلم صلاته، وكل ما بتعلق بها من أركان وواجبات ومبطلات، روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل له صلاة، لعله يتم الركوع ولا يتم السجود، ويتم السجود ولا يتم الركوع ) رواه أبو القاسم الاصبهاني وحسنه الألباني.
وهذا الحديث فيه دليل على وجوب الطمأنينة وأنها ركن من أركان الصلاة . وفيه أن الإخلال بأحد أركانها بمثابة السرقة منها، وهذا يدل على أنه أسوأ حالا عند الله من سراق الأموال.