من تأمل نصوص الكتاب والسنة وجد أن لحسن الخلق أهمية كبيرة ومنزلة عظيمة في الإسلام، ولو لم يكن في فضله ومنزلته سوى قوله تعالى : ( وإنكَ لعلى خلق عظيم ) (القلم/4)، لكان ذلك كافيا.
ومن وصايا النبي صلى الله عليه وسلم العظيمة، الوصية بتقوى الله، وحسن الخلق مع الخلق عند المعاشرة، ففي الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح.
هذا الحديث فيه وصية عظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم للأمة، فقد جمع للسائل حقين عليه الالتزام بها، حق محض لله تعالى، وحق للخلق، فحق الله تعالى أن يتقيه حق التقوى، وحق الخلق أن يعاشرهم بحسن الخلق، قال ابن القيم رحمه الله: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته.
قال بعض السلف: حسن الخلق قسمان: أحدهما مع الله عز وجل وهو أن تعلم أن كل ما يكون منك يوجب عذرا، وأن كل ما يأتي من الله يوجب شكرا، و ثانيهما: حسن الخلق مع الناس وجماعه أمران: بذل المعروف قولا وفعلا، وكف الأذى قولا وفعلا.
ولما كان حسن الخلق يحتل هذه القيمة العظيمة في الإسلام، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا)، واختار الله للثناء على رسوله صلى الله عليه وسلم من دون سائر صفاته العظيمة ما يتحلى به من خلق حسن عظيم؛ إذ خاطبه بقوله: ( وإنك لعلى خلق عظيم) (القلم/4)، وصح عنه أنه قال: ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ) رواه أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه ، فجميع الأخلاق الكريمة الفاضلة واحدة في كل الشرائع السماوية تنزلت بها كل الكتب، ودعت إليها كل الرسالات، وجاء الإسلام فأكد على هذه الأخلاق الفاضلة في القرآن الكريم، ونادى بها سيد الخلق أجمعين نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فها هو عبد الله بن عمرو بن العاص يحدثنا عن شيء من خلقه حين سأله عطاء بن يسار عن صفته في التوراة فقال: ( والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ) (الأحزاب/ 45)، وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر) رواه البخاري.
فقوله: (بخلق حسن) هو أن يكتسب ملكة نفسانية تسهل عليه الإتيان بالأفعال الجميلة والآداب المرضية، فيصير ذلك كالخلقة في صاحبه، ويدخل فيه التحرر من البخل والشح والكذب وغير ذلك من الصفات المذمومة، ويدخل فيه التحبب إلى الناس بالقول والفعل، والبذل وطلاقة الوجه مع الأقارب والأجانب، والتساهل في الأمور، والتسامح وما يلزم من الحقوق، وترك التقاطع والتهاجر، واحتمال الأذى مع الأعلى والأدنى، مع طلاقة الوجه وإدامة البشر.
وللخلق الحسن فضائل عظيمة في ميزان الإسلام، تدعو الانسان بقوة للتحلي والالتزام بها، من أهمها:
ـ أنه من أسباب دخول الجنة: فعن أبي هريرة : قال: ( سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج)رواه الترمذي.
ـ ومنها أنه أثقل شيء في الميزان يوم القيامة: فعن أبى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق)رواه أبو داود.
ـ ومنها أنه علامة على كمال الإيمان: فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) رواه الترمذي.
هذه بعض الفضائل التي وردت في حسن الخلق، وغيرها كثير، ومعرفتها تحفز على إكتسابها والتحلي بها.