اهتمت السنة النبوية بفئة الأطفال، حيث نالت حظها من التوجيه والاهتمام، فالطفل حاضر في السيرة النبوية، في التربية والتنشئة والرعاية، فطفل اليوم هو رجل الغد، لأجل ذلك تنوعت أساليب المعالجة لأخطاء الأطفال في السنة النبوية، نقف على البعض منها للاقتداء والتطوير التربوي.
أولا: أسلوب التوجيه المباشر:
والمقصود بالتوجيه المباشر مجموعة من النصائح والتوجيهات التي يستعملها المربي مع المتلقي لمعالجة أخطائه بطريقة مباشرة.
ومن شواهد التوجيه النبوي المباشر عموما:
في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم؟ تنظرون إلي، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله، ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن».
فقد وجهه النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب مباشر، وبكلمات واضحة، ولكن ذلك صاحبه الرفق واللين، والمحبة والشفقة، ومراعاة الحال للمتلقي، فقد كان حديث العهد بالدعوة بدليل قوله في نفس الحديث "قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالا يأتون الكهان، قال: «فلا تأتهم»، لقد كان أسلوب التوجيه الرفيق باعثا له على السؤال والاستفسار عما يحتاج إليه، فاسترسل بعد ذلك في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث فليراجع.
من النماذج التطبيقية للمعالجة النبوية لأخطاء الأطفال بأسلوب التوجيه المباشر:
ما ورد في صحيح مسلم أيضا عن عمر بن أبي سلمة، قال: كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي: «يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»، وفي رواية: "أكلت يوما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت آخذ من لحم حول الصحفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مما يليك».
ففي هذه الكلمات القليلة وجه النبي صلى الله عليه وسلم الطفل بثلاثة آداب من آداب الطعام: التسمية على الطعام، والأكل باليمين، والأكل مما يليه، وهي آداب لا بد من توجيه بها منذ وقت مبكر، فعمر بن أبي سلمة كان عمره لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنوات، وهذا يعني أنه وجهه في وقت مبكر، وهذا أولى مما يفعله بعض الآباء والأمهات من إهمال التوجيه التربوي في السنوات الأولى للطفل، ثم يصعب عليهم بعد ذلك تقويم أخطائه.
وحينما ننظر في روايات الحديث نلحظ التلطف النبوي بالطفل المنصوح، وذلك بمناداته قبل التوجيه بما يهيئ نفسه لقبول التوجيه، ففي سنن أبي داود أنه قال له: "أدن بني"، وفي سنن الترمذي: "أدنُ يابني" فهذا التلطف يجعل الطفل يأنس للمربي ويتقبل منه توجيهه، بخلاف الأساليب الخاطئة التي قد تتجاوز ذلك إلى المخاطبات الجافة، أو أبعد من ذلك من يشتم أو يسب ثم يقوم بالتوجيه، فهذا يجافي الأساليب النبوية السامية.
ويلاحظ أيضا عدم اقتصاره صلى الله عليه وسلم على الخطأ الحاصل من الطفل وهو طيش يده في الصحفة، بل جعله فرصة لتوجيهه بما ينفعه من التسمية والأكل باليمين، وهو أسلوب تربوي ناجح، بحيث يوظف الحدث للتوجيه بما ينفع.
ولما كان التوجيه النبوي بهذه المثابة من الرفق واللطافة والرحمة فمن الطبيعي أن يترك الأثر البالغ في نفس هذا الطفل المتلقي لهذا النصح، ويدل على ذلك قوله "فما زالت تلك طعمتي بعد"، قال ابن حجر في فتح الباري: "طعمتي" بكسر الطاء أي: صفة أكلي، أي: لزمت ذلك وصار عادة لي، قال الكرماني: والمراد جميع ما تقدم من الابتداء بالتسمية والأكل باليمين والأكل مما يليه".
الأسلوب الثاني: المعالجة بالحوار
والحوار أسلوب له أهميته في حل المشكلات المختلفة عموما، وفي توجيه الطفل خصوصا، وله أثره البالغ في ترسيخ القيم في نفوس الأطفال، وتقويم الأخطاء، ويشتمل على عنصر الإقناع أكثر من أي أسلوب آخر، فمن خلال الحوار يتمكن المربي من الإجابة عن أسئلة الطفل، وتصحيح أفكاره، وتمكينه من المحاجة حتى تصبح أسلوبا متبعا في حياته، ولذلك نجد شواهده في الهدي النبوي وافرة، فقد استخدمه حتى مع غير الأطفال، وهم فئة الشباب، وعلى سبيل المثال:
ما رواه الطبراني في المعجم عن سليم بن عامر، أن أبا أمامة حدثه، أن غلاما شابا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في الزنا، فصاح الناس فقال: «مه» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقروه ادن» ، فدنا حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتحبه لأمك؟» قال: لا. قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لابنتك؟» قال: لا. قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟» قال: لا. قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لأخواتهم، أتحبه لعمتك؟» قال: لا. قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لعماتهم؟ أتحبه لخالتك؟» قال: لا. قال: «وكذلك الناس لا يحبونه لخالاتهم»، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره، وقال: «اللهم كفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه».
فقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتزع تلك الرغبة السلبية من نفس هذا الشاب بأسلوب الحوار الحكيم، وتوصل إلى إقناعه ببشاعة ما يرغب به بالقياس على الآخرين، وتمثل مشاعرهم تجاه هذا الأمر.
نموذج تطبيقي لأسلوب الحوار مع الأطفال:
في سنن ابن ماجة عن أبي رافع بن عمرو الغفاري قال: كنت وأنا غلام أرمي نخل الأنصار فقيل للنبي عليه السلام: إن ههنا غلاما يرمي نخلنا، فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا غلام، لم ترمي النخل؟»: قلت: آكل قال: «فلا ترم النخل، وكل مما سقط في أسفلها» ثم مسح رأسي وقال: «اللهم أشبع بطنه»، وفي رواية الترمذي قال له: "يا بني".
وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم السؤال مع الطفل ليتثبت من غرضه في رمي النخل، وفي هذا تطمين لقلبه حتى يقول حجته، ويدافع عن نفسه، ففي بعض الروايات التصريح بـ "الجوع"، وهو يعلم أنه سبب مبرر، واستعمل معه النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب الملاطفة بأمور كثيرة، منها مناداته بقوله "يا بني"، والدعاء له بأن يشبع الله بطنه، وبتقريبه منه وإدنائه إليه، وكل هذا إيناس لنفسه، حتى يتقبل منه ما يعلمه أو يوجهه به.
وهناك أساليب نبوية كثيرة في التوجيه التربوي للأطفال ومعالجة سلوكياتهم الخاطئة بمثل هذا المستوى من اللطف والرحمة والمحبة، فلينظر فيها وفي تحليلها والاستفادة منها في تربية الأطفال وتوجيه سلوكياتهم، وتأديبهم، يستفيد منها الآباء والأمهات والمربون والمعلمون.