إن من أعظم العبادات أجرا، وأكثرها يسرا، وأقلها كلفة وتعبا مع حب الله لها وعظيم أثرها على صاحبها: ذكر الله تعالى.
فهذا العمل على سهولته ويسره هو خير عمل يقوم به الإنسان، وأزكى عمل عند الرب الرحمن، وهو أرفع الأعمال في الدرجات، بل خير من إنفاق الذهب والفضة في الصدقات.
روى الإمام الترمذي في سننه بسند صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى).
قال معاذ بن جبل: ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله.
ذكر الله ... صدقة بلا مال، وجهاد بلا قتال، ومرابطة بلا انتقال.
ذكر الله ... أسهل ما يقال، وأيسر ما يعمل، وأجمل ما يفعل، وأخف ما يحمل.
ذكر الله... أثقل شيء في الميزان، وأحب شيء للرحمن، وأجمل سعي للإنسان.
ذكر الله تعالى يجمع على العبد ما تفرق من أمور الدين، فعن عبد الله بن بسر قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فدلني على عمل أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبا بذكر الله)"رواه الترمذي وحسنه".
ذكر الله علامة حياة القلب، وكل قلب لا يذكر الله تعالى فهو ميت. روى البخاري عن أبي موسى قال صلى الله عليه وسلم: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت).
ولولا محبة الله للذكر والذاكرين، وعظيم فضل الذكر وكبير أثره على قلب صاحبه ودينه، لما أمر الله المؤمنين بدوامه، ولما قرن فعله بالكثرة في كل موضع أمر المسلمين به:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)(الأحزاب:41، 42).
وقال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(الأحزاب:35)،
وقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(لأنفال:45).
وقال: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} (البقرة:200)
إن لذكر منافع لا تكاد تحصى، وفوائد لا تحصر:
فذكر الله هو باب المحبة الأعظم: وسبيلها الأقوم، وصراطها الأمثل، وطريقها الأقصر، فأهل الإيمان {يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}(آل عمران:191).
وأهل الشقاق والنفاق: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلا قَلِيلاً}(النساء:142).
فمن أحب شيئا أكثر من ذكره، فمن أراد أن يعرف قدر الله في قلبه فلينظر كيف ذكره له.
وذكر الله حصن لصاحبه من الشيطان: كما جاء في حديث الحارث الأشعري: (وآمركم أن تذكروا الله تعالى، فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدّو في أثره سراعًا، حتى إذا أتى إلى حصن حصين، فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله)"رواه الترمذي".
ذكر الله زكاة للنفوس، وطهارة للصدور، واطمئنان للقلوب: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(الرعد:28).
من أراد أن يذكره الله في السماء فليكثر من ذكره في الأرض: قال سبحانه: {فاذكروني أذكركم}، وقال في الحديث القدسي: (ومن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه).
فأكثر ذكره في الأرض دوما .. .. لتذكر في السماء إذا ذكرتا
من أراد أن يثقل الله موازينه فعليه بذكر الله: ففي وصية نوح لابنه: (آمُرُكَ بِلا إلهَ إلا اللهُ؛ فإنَّ السماواتِ السبعَ، والأَرْضِينَ السبعَ لوْ وُضِعْنَ في كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لا إلهَ إلا اللهُ في كفةٍ، لرجحتْ بهنَّ لا إلهَ إلا اللهُ، ولوْ أنَّ السماواتِ السبعَ والأرضينَ السبعَ كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً لَفَصَمَتْهُنَّ لا إلهَ إلا اللهُ)(رواه أحمد وصححه الألباني).
وفي آخر حديث في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم).
من أراد أن يغفر الله له ذنبه، فليكثر من ذكر الله: (من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت عنه خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر)(رواه البخاري ومسلم).
وأعظم الذكر ما تواطأ فيه فهم العقل، وحضور القلب مع ذكر اللسان، فإن افترقا فذكر القلب أولى، وأدناها الذكر باللسان مع غياب العقل والقلب، لكنه أولى وأحسن من الغفلة على كل حال.
وأفضل الذكر كتاب الله وكلامه، ثم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أعطاه الله جوامع الكلم، مع فصاحة اللسان وحسن البيان، مع تمام نصحه لأمته وكمال شفقته عليهم ومحبة الخير لهم.. صلوات الله وسلامه عليه، ونسأل الله أن يجعلنا من الذاكرين الشاكرين.