الإسلام يولي البيوت اهتماما كبيرا، وقد امتن الله بهذه النعمة على عباده، فقال سبحانه: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) النحل: 80، وذلك لأن البيوت هي المملكة المصغرة التي ينبغي الحفاظ عليها، والقيام بشؤونها كما أراد الله، وبصلاح شأنها يتكون المجتمع المسلم المستخلف في الأرض لإقامة أمر الله وشرعه.
ولذلك تطالعنا السنة النبوية بمجموعة من التوجيهات الكريمة لتحقيق حماية البيوت من الأضرار الصحية.
فمن الآداب النبوية: التوجيه الواضح بتنظيف البيوت، والاهتمام بتنقيتها من الأوساخ والمخلفات، وجعل ذلك علامة فارقة للمسلم عن غيره من أصحاب الملل التي لا تهتم بنظافة البيوت، كما في سنن الترمذي عن سعيد بن المسيب، يقول: «إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا - أراه قال - أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود» قال: فذكرت ذلك لمهاجر بن مسمار، فقال: حدثنيه عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا أنه قال: «نظفوا أفنيتكم».
فيعتني أصحاب البيت بنظافته، من خلال وضع الطرق التي يتم بها تيسير عملية النظافة، وتنشئة الأطفال على هذا النظام، حتى يتربوا على حب النظافة، وعدم القبول ببقاء البيت بحالة مستقذرة.
ومن الآداب النبوية: أن لا يبول في محل الاغتسال، ففي المعجم الأوسط للطبراني عن عبد الله بن يزيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُنَقَّعْ بولٌ في طست في البيت، فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه بول ينقع، ولا تبولنَّ في مُغتسلك».
ومن الآداب النبوية: النهي عن اتخاذ الكلاب في البيوت، وقد جاء ما يؤيد ذلك من الطب الحديث، فقد نقل الدكتور عبد الرزاق الكيلاني في كتابه "الحقائق الطبية في الإسلام": أن الكلب ناقل لبعض الأمراض الخطرة، إذ تعيش في أمعائه دودة تسمى المكورة المُقَنْفذة، وتخرج بيوضها مع برازه، وعندما ينظف نفسه يقوم بلحس دبره بلسانه، فتنتقل تلك البيوض إليها، وبهذا تنتقل إلى الآنية التي يشرب بها أو يأكل، فيؤدي هذا إلى انتقال تلك الأمراض إلى أهل البيوت.
وثمة مرض آخر تنقله الكلاب إلى الإنسان، وهو داء الكَلَب، وسببه حمى راشحة يصاب بها الكلب ثم ينتقل إلى الإنسان عن طريق لعاب الكلب أو عضه، أو لمسه لجرح في الإنسان، فيصبح الموت محتما إلا بمشيئة الله.
وهذا يجعلنا نتفهم النهي النبوي المشدد عن اتخاذ الكلاب في البيوت كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أمسك كلبا، فإنه ينقص كل يوم من عمله قيراط، إلا كلب حرث أو ماشية».
وكذلك نعي التوجيه النبوي في الأمر بتسبيع الإناء الذي شرب منه الكلب كما في الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرار». وفي رواية: «أولاهن بالتراب».
وما نراه اليوم من التساهل في إدخال الكلاب إلى البيوت تجاوز سيء للتوجيه النبوي القائم على البرهان العلمي، وإضرار بساكني البيوت، نسأل الله أن يصلح بيوت المسلمين.
ومن الآداب النبوية لحماية البيوت: التوجيه بما يحقق سلامة البيوت من الكوارث كالحريق، ففي سنن أبي داود عن ابن عباس، قال: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال: «إذا نمتم فأطفئوا سُرُجَكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فتحرقكم».
وفي صحيح مسلم: عن أبي موسى، قال: احترق بيت على أهله بالمدينة من الليل، فلما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم، قال: «إن هذه النار إنما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم».
ويدخل في ذلك ما استجد من الأجهزة الكهربائية، فقد تكررت حوادث الحريق والأضرار التي وقعت بسببها، وتكرر التحذير من تركها متصلة بالكهرباء حال النوم، فإذا ثبت ذلك فإنه داخل في التوجيه النبوي لذات العلة.
ومن التوجيهات النبوية: الحفاظ على مصادر الطعام والشراب بتغطيتها حتى لا تتلوث، كما في سنن الترمذي عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أغلقوا الباب، وأوكئوا السقاء، وأكفئوا الإناء، أو خَمِّروا الإناء، وأطفئوا المصباح، فإن الشيطان لا يفتح غَلَقاً، ولا يحل وكاء، ولا يكشف آنية، وإن الفويسقة تضرم على الناس بيتهم».
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء، لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء».
وهذا غيض من فيض من التوجيهات النبوية، والآداب الإسلامية التي بها تحفظ البيوت من الأضرار الصحية، والكوارث المهلكة، وكل يوم تتبدى للناس وجوه الحكمة من تلك التعاليم والآداب، وهل جاء الشرع إلا لمصلحة العباد وإرشادهم إلى ما ينفعهم؟ فحماية البيوت من الأضرار موضع عناية من السنة النبوية والشريعة عموما.