يعرف الحوار بأنه: "مناقشة بين طرفين أو أطراف، يقصد بها تصحيح كلام، وإظهار حجة، وإثبات حق، ودفع شبهه، ورد الفاسد من القول والرأي". الحوار وآدابه لابن حميد.
مشروعية الحوار مع غير المسلمين:
الحوار مع غير المسلمين مشروع بنص الكتاب الحكيم، مع التزام شرطه وهو الحكمة والرفق واللين، قال تعالى: (ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 7]، يقول ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "وجادلهم بالتي هي أحسن، أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين جانب وحسن خطاب".
والحوار مع غير المسلمين مشروع على الاستحباب، ولكن إذا ظهرت مصلحته فإنه يكون واجبا، قال ابن القيم في زاد المعاد: "جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم، بل استحباب ذلك، بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته من إسلام من يرجى إسلامه وإقامة الحجة عليهم، ولا يهرب من مجادلتهم إلا عاجز عن إقامة الحجة". ويقول ابن حجر في فتح الباري عند حديثه عن وفد نجران: "وفيها جواز مجادلة أهل الكتاب وقد تجب إذا تعين مصلحته".
ويقول شيخ الاسلام ابن تيميه في درء تعارض العقل والنقل: "فكل من لم يناظر أهل الإلحاد والبدع مناظرة تقطع دابرهم لم يكن أعطى للإسلام حقه ولا وفى بموجب العلم والإيمان، ولا حصل بكلامه شفاء الصدور وطمأنينة النفوس ولا أفاد كلامه العلم واليقين".
نماذج من الحوار النبوي مع غير المسلمين:
أ. محاورة وفد نصارى نجران:
جاء في الروايات أنهم قدموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه فرد سلامهم ثم سألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى عليه السلام، فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى فيسرنا إن كنت نبيا أن نعلم ما تقول فيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى عليه السلام"، فأصبح الغد وقد أنزل الله عز وجل: (إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ، الحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكُن مِّنَ المُمْتَرِينَ، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وأَبْنَاءَكُمْ ونِسَاءَنَا ونِسَاءَكُمْ وأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ) [آل عمران:61-62]، ذكر هذا ابن كثير في تفسيره، وابن هشام في السيرة.
ب. محاورة نصارى الحبشة:
روى البيهقي في دلائل النبوة: "أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرون رجلا وهو بمكة أو قريب من ذلك من النصارى حين ظهر خبره من الحبشة فوجدوه في المجلس فكلموه وساءلوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مسألتهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عما أرادوا، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش، فقالوا: خيبكم الله من ركب: بعثكم من ورءاكم من أهل دينكم ترتادون لهم، فتأتونهم بخبر الرجل فلم نطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم، ما نعلم ركبا أحمق منكم أو كما قالوا لهم، فقالوا: سلام عليكم لا نجاهلكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا نألوا أنفسنا خيرا.
ج. حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع عداس:
في الدلائل للبيهقي أيضا في قصة خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وما وقع في ذلك الخروج، وفي رجوعه استظل في حائط فجاءه عداس بعنب، وفي الرواية: "أن عداسا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كل، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فيه قال: "بسم الله" ثم أكل، ثم نظر عداس في وجهه ثم قال: والله، إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد] فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي أرض أنت يا عداس ؟( قال له عداس : أنا من أهل نينوي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "من مدينة الرجل الصالح يونس بن مَتَّى"، فقال له عداس: وما يدريك من يونس بن متى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يحقر أحدا أن يبلغه رسالة ربه: "أنا رسول الله، والله تعالى أخبرنى خبر يونس بن مَتَّى". فلما أخبره بما أوحى الله عز وجل من شأن يونس بن متى، خر عداس ساجدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يقبل قدميه وهما يسيلان الدماء، فلما أبصر عقبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكنا، فلما أتاهما، قالا: ما شأنك سجدت لمحمد، وقبلت قدميه، ولم نرك فعلته بأحد منا؟ قال: هذا رجل صالح، أخبرنى بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متى، فضحكا به وقالا: لا يفتنك عن نصرانيتك، فإنه رجل خداع، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة".
د. حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود:
كان الحوار مع اليهود في بداية قدوم الصحابة إلى المدينة يشوبه الحذر؛ حيث إنهم كانوا يقرؤون في التوراة، وربما لو تسرع المسلمون إلى تكذيبهم أو تصديقهم لوقعوا في المحذور، إذ يحتمل أن ما قالوه حق ويحتمل أن يكون باطلا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر الصحابة من محاورتهم وسؤالهم، وقد بوب البخاري بقوله "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء" وروى الإمام أحمد في المسند عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء، فإنهم لن يهدوكم، وقد ضلوا، فإنكم إما أن تصدقوا بباطل، أو تكذبوا بحق، فإنه لو كان موسى حيا بين أظهركم، ما حل له إلا أن يتبعني".
ومع ذلك فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاورهم رغبة في هدايتهم، وإقامة الحجة عليهم، ففي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا إلي من كان ها هنا من يهود". فجمعوا له، فقال: "إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيَّ عنه"؟. فقالوا: نعم، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "من أبوكم"؟. قالوا: فلان، فقال: "كذبتم، بل أبوكم فلان". قالوا: صدقت، قال: "إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيَّ عنه"؟، فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا، فقال لهم: "من أهل النار"؟. قالوا: نكون فيها يسيرا، ثم تخلفونا فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اخسؤوا فيها، والله لا نخلفكم فيها أبدا". ثم قال: "إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيَّ عنه"؟. فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قال: "هل جعلتم في هذه الشاة سماً"؟. قالوا: نعم، قال: "ما حملكم على ذلك"؟. قالوا: أردنا إن كنت كاذبا نستريح، وإن كنت نبيا لم يضرك.
وكان في حوارهم لا يتعجل الجواب كما في الصحيحين عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: « بينما أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب، إذ مر بنفر من اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح فقالوا: ما رابكم إليه لا يستقبلكم بشيء تكرهونه، فقالوا: سلوه. فقام إليه بعضهم فسأله عن الروح، قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرد عليه شيئا، فعلمت أنه يوحى إليه، قال: فقمت مكاني فلما نزل الوحي قال: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }».