عبد الله بن عامر بن يزيد اليحصبي، أبو عمران. تابعي جليل، وإمام أهل الشام في القراءة، انتهت إليه مشيخة الإقراء بها. أخذ القراءة عَرْضاً عن أبي الدرداء وعن المغيرة بن أبي شهاب صاحب عثمان رضي الله عنهم، وقيل: عَرَض على عثمان نفسه. وقد ثبت سماعه من جماعة من الصحابة منهم: معاوية بن أبي سفيان، والنعمان بن بشير، وواثلة بن الأسقع، وفضالة بن عبيد رضي الله عنهم، وروى القراءة عنه عرْضاً: يحيى بن الحارث الذِّماري، وأخوه عبد الرحمن بن عامر، وربيعة بن يزيد، وجعفر بن ربيعة، وسعيد بن عبد العزيز، ويزيد بن أبي مالك، وغيرهم، توفي بدمشق يوم عاشوراء سنة ثمان عشرة ومئة. والأصحُّ أنه عربي، ثابت النسب من حمير، قال الذهبي: "ثابت النسب إلى يحصب بن دهمان، أحد حمير، وحمير من قحطان، وبعضهم يتكلم في نسبه، والصحيح أنه صريح النسب"، أي أن نسبه خالص من الرق، ومن ولادة العجم، فهو من صميم العرب.
قال خالد بن يزيد: "سمعت عبد الله بن عامر اليحصبي يقول: ولدت سنة ثمان من الهجرة في البلقا بضيعة يقال لها: رحاب، وقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي سنتان، وذلك قبل فتح دمشق، وانقطعت إلى دمشق بعد فتحها ولي تسع سنين".
قال ابن الجزري: "ولا زال أهل الشام قاطبة على قراءة ابن عامر تلاوة وصلاة وتلقيناً إلى قريب الخمس مئة". ثم قال: "وأما طعن ابن جرير فيه، فهو مما عد من سقطات ابن جرير، حتى قال السخاوي: قال لي شيخنا أبو القاسم الشاطبي: إياك وطعن الطبري على ابن عامر".
وقال أبو علي الأهوازي: "كان عبد الله بن عامر إماماً عالماً ثقة في ما أتاه، حافظًا لما رواه، متقناً لما وعاه، عارفًا فَهِما قيِّماً في ما جاء به، صادقًا في ما نقله من أفاضل المسلمين وخيار التابعين، وأجِلَّة الراوين، لا يُتهم في دينه، ولا يًشك في يقينه، ولا يرتاب في أمانته، ولا يطعن عليه في روايته، صحيح نقله، فصيح قوله، عالياً في قدره، مصيباً في أمره، مشهوراً في علمه، مرجوعاً إلى فهمه، ولم يتعد فيما ذهب إليه الأثر، ولم يقل قولاً يخالف فيه الخبر".
تولي القضاء بدمشق بعد أبي إدريس الخولاني، وكان إمام الجامع بدمشق، وكان ناظراً على عمارته حتى فرغ. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا صلى الصبح في جامع دمشق، اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، ويجعل على كل عشرة منهم عريفاً، ويقف هو قائماً في المحراب يرمقهم ببصره، وبعضهم يقرأ على بعض، وكان ابن عامر عريفاً على عشرة، وكان كبيراً فيهم، فلما مات أبو الدرداء خلفه ابن عامر، وقام مقامه.
روى له مسلم حديثاً، والترمذي آخر، وهو قليل الحديث عموماً. وثقة النَّسائي وغيره.
ولابن عامر راويان
الأول: هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة، أبو الوليد السلمي، الدمشقي. شيخ أهل دمشق ومفتيهم، وخطيبهم ومقرئهم ومحدِّثهم، ولد سنة ثلاث وخمسين ومئة، وقرأ القرآن على عراك بن خالد، وأيوب بن تميم، وغيرهما، من أصحاب يحيى الذماري، وسمع من مالك بن أنس، حدَّث عنه الوليد بن مسلم، ومحمد بن شعيب، وهما من شيوخه، والبخاري في "صحيحه"، وأبو داود والنسائي وابن ماجه، في "سننهم"، وحدث الترمذي عن رجل عنه، وممن حدث عنه محمد بن سعد كاتب الواقدي. وثقه يحيى بن معين. وكان هشام فصيحاً مفوَّهاً.
قال أحمد بن محمد الأصبهاني المقرئ: لما توفي أيوب بن تميم رجعت الإمامة في القراءة إلى رجلين: ابن ذكوان وهشام، قال: وكان هشام مشهوراً بالنقل والفصاحة والعلم والرواية والدراية، رزق كبر السن، وصحة العقل والرأي، فارتحل الناس إليه في القراءات والحديث. مات في آخر المحرم، سنة خمس وأربعين ومئتين.
والآخر: عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان، أبو عمرو، الدمشقي، وصفه ابن الجزري بقوله: "الإمام الأستاذ الشهير الراوي الثقة، شيخ الإقراء بالشام، وإمام جامع دمشق، أخذ القراءة عرضاً عن أيوب بن تميم، وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة بدمشق، قال أبو عمرو الحافظ: وقرأ على الكسائي حين قدم الشام". حدَّث عن بقية بن الوليد، وعراك بن خالد، وسويد بن عبد العزيز، والوليد بن مسلم، ووكيع بن الجراح، وطائفة. روى عنه أبو داود وابن ماجه في "سننهما".
قال الذهبي: "كان ابن ذكوان أقرأ من هشام بكثير، وكان هشام أوسع علماً من ابن ذكوان بكثير، وقال أبو زرعة الدمشقي: لم يكن بالعراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولا بمصر ولا بخراسان، في زمان ابن ذكوان أقرأ عندي منه". توفي ابن ذكوان سنة اثنتين وأربعين ومئتين.