الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أدب المجالس

من أدب المجالس

من أدب المجالس

اعتاد الناس على المجالس، فهم فيها يتبادلون الخبرات، وفيها يعقدون المشاورات، وفيها تتلاقح الأفكار، وقد عرفت البشرية المجالس من وقت مبكر من حياة الإنسان على هذا الكوكب.
لا يكاد يمر بالمرء يوم إلا ويجلس فيه مع غيره مجلساً أو أكثر، وتختلف تلك الجلسات باختلاف المشارب والاهتمامات والتطلعات، وهي جزء من حياة المرء وطبيعته الإنسانية، ومن محبة مؤانسة الآخرين والأنس بهم.
مجالس المؤمنين وتناجيهم يكون في صالح المجتمع، ومن أجل سهولة الحياة وتيسيرها.[لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس](سورة النساء).

لا بد أن ندرك أن الوقت أثمن من أن يضيع في مجلس مُطوَّل بلا فائدة تعود على أصحابه، بل الواجب ضبط المجالس بأوقات نُعمرها بما يُروح على نفوسنا ونستجم به، من غير إفراط في ذلك، فمتى تحول المجلس إلى اللغو والتفاهة وجب أن يكون لك دور توجه به دفة الكلام إلى ما يفيد الجالسين، ولا ترضى أن تكون إمعة في المجالس، فإن كل واحد منا مؤاخذ بمقالته.
ومن لطيف ما يذكر في رفع اللغو وبعث الفائدة في أسلوب لبق نبيل، ما ذُكِر عن الشيخ عبد الرحمن السعدي –رحمه الله- أنه كان إذا ذهب لإجابة دعوة يَسِرّ إلى بعض أصدقائه من طلبة العلم من الذين يرافقونه في الدعوات العامة، فيقول له: إذا سمعت الحاضرين أو المدعوين يتكلمون في الناس وأعراضهم، أو يتكلمون بكلام فارغ فاسألني سؤالاً أو اذكر مسألة شرعية أو علمية، وسوف أقوم بالإجابة عن المسألة.
بهذا نتعلم صنع الفائدة من مجالسنا وفن إدارة الحديث، وإثراء المستمع، وتأدية رسالتنا في الحياة، فتكون لمجالسنا ثمار من رعاية لضعفائنا، ومتابعة لحال شبابنا، ورعاية لمرضانا ونحو ذلك مما يفيد الحي كله ويعود على أهل المنطقة بالخير.
مجالس المسلمين تقوم على التناصح، ونشر الفضائل، والتآزر على الحق، مجالس رجالها قوامون بالقسط متكاتفون على الخير ونصرة المستضعف، مجالس تعمر بذكر الله، وتحيا بمآثر الأمة، النقاش فيها يكون في معالي الأمور، سواء تطرقت لأدب، أو خاضت في مجالات الحياة، وحتى إن مالت للترويح والمؤانسة لم تخرج من حد الأدب واللياقة أبداً، قال الأحنف بن قيس : "جَنِّبوا مَجَالسَنَا ذِكرَ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ فإني أُبْغِضُ الرَّجُلَ يَكُوْنُ وَصَّافًا لِفَرْجِهِ وَبَطْنه".

مجالس فيها وقار ويكون رجالها من أهل الهمم، طبعا لا بأس بذكر النساء في معرض الغزل العفيف، ولكن لا ينحدر المجلس إلى الإسفاف في الحديث عن المرأة، ولا يكن هم الرجال الكلام عن أنواع الأطعمة وما شاكلها، بل توجه المجالس للثقافة المفيدة وذكر التجارب الحياتية النافعة.

ومن المعلوم ضرورة أنه ينبغي على مرتادي المجالس التحلي بالأخلاق الحسنة، وعدم السخرية من الجالسين والعناية بالموجودين، وستر ما يبدر من بعض الجالسين، إلى غير من آداب معلومة، والأفضل أن تكون هناك خطط لهذه الجلسات حيث يعد لها إعداداً يفيد كل جالس بها ومشارك فيها.

ولأن الإنسان اعتاد أن يطلق لنفسه العنان في هذه المجالس، ويجعل رائده فيها بصره ولسانه فيقع في المحظور من غير أن يدرك أنه بذلك يوبق نفسه، جاء التوجيه النبوي يبين خطورة إطلاق النظر واللسان في المجالس في الطرقات، فلقد روى الصحابي الكريم أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ: إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ) رواه البخاري.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة