الإسلام دين الجمال والكمال، ودين الفطرة، وما ترك الله شيئا يزين المسلم إلا وأمر به أو استحبه له، وما ترك من شيء يشين أتباعه إلا ونهى عنه أو كرهه.. ولقد اهتم الإسلام بنظافة المسلمين في ظاهرهم وفي باطنهم، فطهر بواطنهم بالإيمان والتقوى وكل خلق طيب وحال جميل، وطهر ظواهرهم بالأمر بطهارة الظاهر، ولزوم النظافة، والبعد عن القذر والخبث والنجس. فجمع بين طهارتي الظاهر والباطن.. واهتم بذلك حتى جعل الطهور شطر الإيمان:
الطُهور شَطْرُ الإيمان
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن – أو تملأ – ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها).
وهذا اللفظ من قول النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن الإيمان الحقيقي يشمل طهارةَ الظاهر وطهارة الباطن، والوضوء يطَّهر الظاهر.. وعلى هذا يكون شطرَ الإيمان.
وقد دل الحديث على عظم قدر الطهارة من الأخباث والأوساخ والأنجاس - كما يقول الدكتور ناصر بن عبد الله - وأنه يعدل شطر الدين؛ لأن الطهارة شرط للصلاة، ولما فيها من تحصيل الطهارة والنظافة من القاذورات، واستقبال الله تعالى في أحسن هيئة، وتكريم الملائكة والمصلين، وفيها انشراح الصدر، وفيها نشاط البدن، وزوال الهم والخاطر الخبيث، وفيها تكفير للسيئات، وفيها رفعة للدرجات، ولذلك ورد في السنة فضائل كثيرة للطهارة:
ومما ورد في السنة من ذلك:
أن الوضوء يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات:
فعن أَبي هريرةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: (أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ. قَالَ: إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ)[رواه مسلم].
وروى مسلم أيضا في صحيحه من حديث عثمان رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم: (مَن تَوَضَّأَ فأحْسَنَ الوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِن جَسَدِهِ، حتَّى تَخْرُجَ مِن تَحْتِ أَظْفَارِهِ).
وفيه أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَوِ المُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِن وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بعَيْنَيْهِ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِن يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ).
والطهارة سبب لدخول الجنة:
يدل على ذلك ما رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عن عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ).
وكذلك ما رواه البخاري رحمه الله: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لبِلالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الفَجْرِ: (يا بلَالُ، حَدِّثْنِي بأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ في الإسْلَامِ؛ فإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ. قالَ: ما عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِندِي: أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا، في سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، إلَّا صَلَّيْتُ بذلكَ الطُّهُورِ ما كُتِبَ لي أَنْ أُصَلِّيَ).
وبالوضوء يدخل العبد في عداد المتطهرين، وينال محبة رب العالمين، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة:222]، يعني المتطهرين من الأذى الحسي والمعنوي.
الحفاظ على الوضوء علامة إيمان
فالوضوء من خصال الإيمان الخفية التي لا يحافظ عليها إلا مؤمن، كما جاء في حديث ثوبان، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ)[رواه مالك في الموطأ].
لذلك كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء لكل صلاة، وكان صلى الله عليه وسلم لا ينام إلا على طهارة، ولا جنبا من غير وضوء.
والمسلمون من أفضل الأمم وأشدها عناية بطهارة الظاهر والباطن، لكمال شريعتهم، ولطهارة نبيهم الطاهر المتطهر عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات.
ومن الطهارة المحمودة العناية بالطهارة الشخصية، كنظافة البدن والثوب وإصلاح الشعر، وإزالة الشعث من البدن، والذي يكون سببا في انبعاث الرائحة الكريهة، وتطهير الفم والأسنان، واستعمال الطيب.
وفي قول النبي صلوات الله عليه وسلامه: (حُبِّبَ إليَّ مِن دُنياكم: الطِّيبُ، والنِّساءُ، وجُعِلَت قُرَّةُ عَيْني في الصَّلاةِ)[وهو صحيح بدون لفظ ثلاث]، ما يدل على اهتمامه الشديد بطيب رائحته وزكاء نفسه.
ومن تمام النظافة كذلك استعمال السواك في قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لَوْلَا أنْ أشُقَّ علَى أُمَّتي أوْ علَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بالسِّوَاكِ مع كُلِّ صَلَاةٍ)[رواه البخاري]، وفي رواية: (لَأَمَرْتُهُمْ بالسِّوَاكِ مع كُلِّ وضوء).
ولقد اعتنى الشارع بهذا الباب عناية شديدة، فرغب في خصال الفطرة، وهي المذكورة في قول النبي عليه الصلاة والسلام: (الفِطْرَةُ خَمْسٌ - أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ -: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ)[متفق عليه].
وأمر بأخذ الزينة، ونهى عن تعاطي كل ما يؤذي المسلمين، وشرع التجمل في الثياب، وحث على استعمال الطيب وتسريح الشعر في المجامع التي يجتمع فيها المسلمون كصلاة العيد وأشباهها. يقول تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}[الأعراف:41]، يعني: عند كل صلاة.
ونهي المؤمن عن شهود الصلاة ورائحته كريهة؛ كما ورد في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله قال صلى الله عليه وسلم: (مَن أكَلَ البَصَلَ والثُّومَ والْكُرَّاثَ فلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنا، فإنَّ المَلائِكَةَ تَتَأَذَّى ممَّا يَتَأَذَّى منه بَنُو آدَمَ). وفي هذا مراعاة شديدة لشعور المصلين ورواد المسجد، وكذلك من يحضر الصلاة من ملائكة الله الطيبين.
وعناية المسلم بنظافته الشخصية تدل على كمال إيمانه، وعلى مروءته، ورجاحة عقله وصيانته، وإهمالُه لذلك يدل على قلة فقهه، ونقص مروءته، وعدم مراعاته للآخرين.
وينبغي لأهل الفضل ومن يقتدى بهم أن يكونوا على أكمل طهارة، وعلى أحسن هيئة، من غير تكلف، ليقبل الحق منهم، ويقتدي الناس بهم، ولئلا ينفر الناس منهم، ويبتعدوا عنهم.
ومن المؤسف أن ترى رجلا صالحا من أهل الفضل والخير متسخ الثوب والبدن لا يهتم بنظافته الشخصية. وربما استدل بعضهم بحديث: (إن البذاذة من الإيمان)، وهو حديث حسن، ولكن معناه: ترك التكلف في اللباس والاهتمام الزائد بالهيئة، والتقشف أحيانا، كما قال سفيان الثوري: "البس من الثياب ما لا يشهرك عند الفقهاء، ولا يزري بك عند السفهاء".
ويخطي من يظن أن إهمال النظافة من الزهد والبذاذة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد الزهاد كان من أنظف الناس ثوبا، وأطيبهم ريحا، وأكملهم حالا، وأجملهم هيئة، وأطهرهم فما، وكان شديد العناية بنظافته الشخصية صلوات الله عليه وسلامه..
فليس للبذاذة علاقة مطلقا بإهمال النفس وترك الهيئة والتعرض للرائحة الكريهة.
وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا ونَعْلُهُ حَسَنَةً، قالَ: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ).
وفقنا الله تعالى لما يحبه ويرضاه، وأعاننا وإياكم على طاعته. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه.
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
خواطـر دعوية