وحين نتأمل في السنة النبوية نجد أن هناك علاقة بين المسلم وبين الشجر، مما يضفي على الأمر بُعدا روحيا، فالشجرة مخلوق يتفاعل مع المسلم بقدرة الله تعالى وتسخيره العجيب، وشواهد ذلك كثيرة، كحنين الجذع، ونطق شجر الغرقد تفاعلا مع أولياء الله المؤمنين، إضافة إلى استخدام النبي صلى الله عليه وسلم للشجرة في ضرب المثل لتقريب صورة المعاني الشرعية، وحث على استعمال بعضها لما أودع الله فيها من الشفاء والبركة، وسنقف على ما ورد في السنة النبوية بخصوص شجرة واحدة من أكثر الأشجار ورودا في النص النبوي.

تعتبر النخلة من أكثر الأشجار حضورا في السنة النبوية، فقد كانت حاضرة في البيئة والمحيط النبوي في جزيرة العرب، حتى كانت أبرز وصف للمدينة المنورة، فهي مدينة ذات نخل، كما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسلمين: «إني أُرِيتُ دار هجرتكم، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ» وهما الحرتان، فهاجر من هاجر قِبَلَ المدينة.

ومن شرفها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بغرسها، بل ويشارك بغرسها بيده الشريفة، كما في مسند الإمام أحمد في قصة سلمان الفارسي، وفيه: "فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا درهما، وعلى أن يغرس نخلا فيعمل سلمان فيها حتى تطعم. قال: فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر، فحملت النخل من عامها ولم تحمل النخلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شأن هذه؟» قال عمر: أنا غرستها يا رسول الله. قال: فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم غرسها فحملت من عامها".

وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن بالنخلة كما في الصحيحين عبد الله بن دينار، أنه سمع عبد الله بن عمر، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي؟ يا رسول الله قال فقال: «هي النخلة» قال: فذكرت ذلك لعمر، قال: لأن تكون قلت: هي النخلة، أحب إلي من كذا وكذا.

قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: وشبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها، ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام، فإنه من حين يطلع ثمرها لايزال يؤكل منه حتى ييبس، وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة، ومن خشبها وورقها وأغصانها، فيستعمل جذوعا وحطبا وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالا وأواني وغير ذلك، ثم آخر شيء منها نواها، وينتفع به علفا للإبل، ثم جمال نباتها، وحسن هيئة ثمرها، فهي منافع كلها خير وجمال، كما أن المؤمن خير كله، من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه، ويواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره والصدقة والصلة وسائر الطاعات وغير ذلك، فهذا هو الصحيح في وجه التشبيه، قيل: وجه الشبه أنه إذا قطع رأسها ماتت، بخلاف باقي الشجر، وقيل: لأنها لاتحمل حتى تلقح والله أعلم. انتهى.

فكما أن الحديث في بيان بركة المؤمن، لكنه يتبين به أيضا بركة هذه الشجرة، واختصاصها بكثير من المزايا، فقد كانت تستعمل في بساط البيوت، وسقفها، وأعمدتها، فضلا عن فوائد ثمرها وطلعها.

وهي من شجر الجنة أيضا، بل هي أشرف شجرها كما قال ابن القيم في أعلام الموقعين، ففي سنن الترمذي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة».

وفي مسند الإمام أحمد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لفلان نخلة في حائطي، فمره فليبعنيها، أو ليهبها لي، قال: فأبى الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افعل ولك بها نخلة في الجنة»، فأبى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا أبخل الناس».

ومما يشير إلى فضيلة النخل قصة حنين الجذع منه حين فارقه النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة، كما في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار، أو رجل: يا رسول الله، ألا نجعل لك منبرا؟ قال: «إن شئتم»، فجعلوا له منبرا، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمه إليه، تئن أنين الصبي الذي يسكن. قال: «كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها».

وأما فضائل ثمر النخل فكثيرة، ولما طابت الشجرة طاب ثمرها، وفيما سبق من الشواهد تحفيز على غرس النخل، وتكثيره، والحفاظ عليه، وتطييب ثمره، والاستفادة مما أودع الله فيها من البركات والخصائص.