الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفرح بالعيد مشاعر تتجدد وأمل يتجلى

الفرح بالعيد مشاعر تتجدد وأمل يتجلى

الفرح بالعيد مشاعر تتجدد وأمل يتجلى

تتجدد الأعياد في كل عام، لتكون لحظات من الفرح والسرور في حياة الأمة، فلكل أمة عيدٌ خاص، يمثل جزءًا من هويتها وثقافتها، ويعكس قيمها ومبادئها.
في الإسلام جسد عيدا الفطر والأضحى معاني عميقة من التآخي والتواصل والاحتفال بالطاعة، حيث شرعهما الله سبحانه وتعالى ليكونا مناسبتين تجتمع عليهما الأمة، وتتلاقى القلوب، وتتعانق الأبدان، وفق تصور ومنهج يجعل الناس إخوة في الدين، يتحابون ويتراحمون ويتواصلون.

لكن ومع كل عيد، تظهر أصوات تقلل من أهمية الفرح، وتعتبر أنه تجاوز وخطيئة نظراً لمآسٍ وأحزان قديمة، أو حديثة، وتجد بعض الناس يتحدثون عن الألم والمعاناة، وكأن الفرح أمرٌ محرم وجريمة بينة في ظل الظروف الصعبة التي قد تمر بها مجتمعاتنا الإسلامية، هذا التوجه آخذ في الازدياد يساعده سهولة النشر ووسائط الإنترنت، وهو توجه ينسينا أن العيد هو فرصة لنشر الأمل، ورفع معنوياتنا، وتجديد عزيمتنا لمواجهة التحديات.

ورائد هذا التوجه قديما هو الشاعر أبو الطيب المتنبي عندما قال:

عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

وإذا نظرت في حال الناس اليوم تجد منهم فئة بنفس عقلية المتنبي التي أنشأ فيها بيته السابق الذي ما زال يردده المتشائمون، فهم يصرون على تذكيرنا بالمآسي، وكأن الفرح لا يليق بنا في زمن الحزن، وقد يخرج علينا البعض ليذكرنا بمآسي الأمة، ويصور لنا أن الفرح خيانة لأمانة الأخوة، فهل المطلوب منا أن نغفل عن مظاهر الفرح والسرور؟ أليس من الأفضل أن نحتفل بالحياة، وننشر الأمل بدلاً من الانغماس في الحزن والهموم؟.

سيخرج عليك يوم العيد من يتوجع لحال المسلمين ويعدد مصائبهم، ومن يتذكر أحبابه الذين فارقوه.. حتى إن كثيراً من الناس يقضون صبيحة يوم العيد في المقابر، وكأن العيد فرصة موسمية لتذكُّر الموتى والبكاء عليهم!.

إذن كيف يمكننا تحويل العيد من مجرد تذكر للأحزان إلى فرصة للفرح والتفاؤل؟ إن الأعياد ليست مجرد احتفالات، بل هي شعائر دينية تزرع الفرح في قلوبنا، وتقوي عزائمنا، وتظهر تلاحمنا، وتؤكد معاني الوحدة بيننا؛ ففي العيد نرى الأطفال يبتسمون، والأسر تتجمع، والأصدقاء يتبادلون التهاني. إن هذه اللحظات هي بمثابة تنفس جديد للأرواح المثقلة بالأعباء، وتذكير لنا بأن الحياة تستمر، وأن الأمل لا يغيب.

في تاريخنا المجيد كان المسلمون يفرحون بعيدهم حتى في أحلك الظروف، كان المجاهدون يحتفلون بالعيد رغم فقدانهم للأحباء، بل كانوا يعبرون عن فرحتهم كوسيلة لمواجهة الحزن، وفتح صفحة جديدة من الأمل، فالشهداء في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وما زالت ذكراهم تعيش في قلوبنا، تدفعنا للاستمرار في مسيرتنا.
من جهة أخرى، تذكرنا تعاليم ديننا الحنيف بأهمية الفرح في العيد، فقد كانت سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم تؤكد أنه كان دائم البشر والابتسام، وكان يسعد ويفرح، رغم الصعاب، وينشر الأمل والبشريات في أوقات الحصار والأزمات.
الفرح بالعيد هو فرح بالعبادة وهو عبادة، لذا، يجب أن نغتنم هذه الفرصة لنظهر فرحتنا، ليس فقط لأنفسنا، بل لكل من حولنا.

قال ابن عابدين: "سمّي العيد بهذا الاسم لأنّ لله تعالى فيه عوائد الإحسان، أي: أنواع الإحسان العائدة على عباده في كل عام، منها: الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وإتمام الحج بطواف الزيارة، ولحوم الأضاحي وغير ذلك، ولأنّ العادة فيه الفرح والسرور والنشاط والحبور غالبًا بسبب ذلك".
إن الفرح بالعيد ليس مجرد تقليد، بل هو تعبير عن الرضا والقناعة بما لدينا، وهو دعوة لتجاوز الأحزان، فقد قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}؛ لذا يجب أن نتعلم من تجارب الآخرين، ونتذكر أن الفرح يمكن أن يكون وسيلة لمواجهة الصعوبات.

ما أجمل أن ترى يوم العيد البيوت وقد زينها أصحابها، وتسمع علو الضحكات، وتُشاهد اعداد الأطباق الشهية، وقد تهاداها الجيران، واجتمع عليها الخلان، وتجوال الأطفال وهم يرتدون ملابس جديدة، يجوبون الشوارع فرحين، ليتلقوا العيديات، ويعيشون لحظات من السعادة الخالصة، ومع كل ابتسامة، نُعيد رسم لوحات الفرح على جدران قلوبنا، وننسى قليلاً آلام الحياة.

دعونا نستقبل العيد بحب، وننشر البهجة في بيوتنا وقلوبنا، ونعلم أطفالنا قيمة الفرح، لأن الحياة قصيرة، ولأن الفرح هو ما يجعلنا نستمر في النضال من أجل غدٍ أفضل.

لنستقبل العيد بأذرع مفتوحة، ولنجعل من كل لحظة فرصة للاحتفال بالحياة، ولنتذكر دائمًا أن الفرح هو اختيار، وأنه يمكن أن يوجد بجانب الألم، ليشكلا معًا لوحة فنية متكاملة تُظهر جمال الحياة بتناقضاتها.

الله أكبر قولوها بلا وجل وزينوا القلب من مغزى معانيها
بها ستعلو على أفق الزمان لنا رايات عز نسينا كيف نفديها
الله أكبر ما أحلى النداء بها كأنه الري في الأرواح يحييها!


مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة