اتفقت كلمة أهل العلم على أن شريعة الإسلام مبناها وأساسها مصالح العباد في المعاش والمعاد، وأنها عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها، كما ذكر ابن القيم رحمه الله.
واستناداً إلى ما اتفق عليه أهل العلم وقرروه فإن كل حكم شرعي جاءت به الشريعة لابد أن يكون إما جالباً لمصلحة أو دارئًا لمفسدة، وأن وراءه حكمة تشريعية سواء ظهرت لنا أم لم تظهر، وسواء علمها البعض أم جهلها البعض الآخر.
وإذ تقرر ما ذكرنا فإن تحريم قربان النساء فترة المحيض هو من هذا القبيل، ونزيد على ما تقدم ما أثبته العلم الحديث من حقائق في هذا المجال فنقول: إن النص القرآني في شأن الحيض قد ذكر أمرين اثنين:
الأول: وصف الحيض بأنه أذىً.
والثاني: الأمر باعتزال النساء فترة المحيض.
أما بخصوص الأمر الأول، فإن الحيض هو دم طبيعي يأتي المرأة البالغة عادة كل شهر مرة، يخرج منها لفترة تتراوح بين اليومين وسبعة أيام على الأغلب، وتختلف كمية الدم الذي يخرج من امرأة لأخرى، وَفْقَ الحالة الجسدية والنفسية.
وسيلان دم المحيض يرجع إلى التغيرات المهمة التي تحصل للغشاء المبطن للرحم، التي تؤدي بدورها إلى تمزق العروق الدموية، فيسيل الدم منه، وما يلبث الغشاء المخاطي للرحم أن يسقط مصحوبًا بالدماء، مشكِّلاً سيلان الحيض.
بيد أن أكثر تأثيرات المحيض شدة وعمقًا، ما يُصيب المرأة وينتابها من حالة نفسية وجسدية، فقُبَيْلَ بدء الحيض ينخفض لدى المرأة تركيز حمرة الدم، وتعداد الكريات الحمراء، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض مقاومة جسم المرأة للأمراض أثناء فترة الحيض، وزيادة القابلية للالتهابات والإصابات الجسمية، مع تزايد أعراض الاضطراب والارتعاش والتوتر العصبي، وتبدل المزاج، وسرعة الاستثارة، ويُرافق كل ذلك تغيُّر في القدرة على الحكم على الأشياء.
وإضافة لما تقدم من تغيُّرات تحدث للمرأة فترة المحيض، فقد دلت الدراسات على أن نسبة الإنتاج لدى المرأة تنخفض وقت المحيض، وتزداد نسبة الانتحار وجرائم النساء في بعض المجتمعات بشكل ملحوظ في تلك الفترة.
وتأسيساً على ما أثبته العلم من تغيرات وتبدلات ترافق المرأة قُبيل وأثناء فترة الحيض يمكننا إدراك وجه الإعجاز التشريعي للقرآن حين عبَّر عن كل ذلك بلفظ واحد هو لفظ "الأذى" قال تعالى: {قل هو أَذى} (البقرة:222).
ويقال أيضًا: إنه يُمكن لكل من حباه الله قدرًا من الحس والآدمية، أن يدرك بوضوح أن الرغبة في إتيان المرأة وقت حيضها -والحالة على ما ذكرنا- إنما هي رغبة بهيمية شاذة، بل هي أدنى وأحط، إذ قد ثبت أن ذكور الحيوانات تتخير المواسم الفطرية الملائمة لقربان الأنثى، وعُلِمَ أيضاً أن الوطء فترة الحيض لا يمكن مطلقاً أن يُنتج حملاً؛ لأن عملية التبويض لا تكون إلا قبل الحيض بأسبوعين كاملين تقريباً.
وفوق هذا وذاك، فإن الوطء أثناء الحيض هو في الحقيقة إدخال للجراثيم إلى الرحم في وقت تكون فيه الأجهزة الدفاعية لدى المرأة في حالة ضعف وخمول، بحيث لا تستطيع المقاومة المطلوبة، وإذا أضفنا إلى ما سبق أن وجود الدم في تلك الفترة يُعد عاملاً مساعداً ومنشطاً لتكاثر الجراثيم ونموها، أدركنا وجه الإعجاز القرآني في تحريمه لقربان المرأة وقت المحيض.
هذا، ولا يخفى أن إتيان المرأة في المحيض، لا يمثل مخالفة لما شرعه العليم الخبير فحسب، ولا يمثّلُ منافاة لما تقتضيه قواعد الذوق السليم والفطرة النقية كذلك، وإنما يُعَدُّ ارتكاساً في حمأة موبوءة بالغة الإيذاء والضرر بالمرأة صحيًّا ونفسيًّا، ويعد كذلك إصراراً على التردي في متاهات الجهالة والبدائية، وخاصة بعد أن قال العلم كلمته المحايدة في هذا الشأن، فهل من معتبر؟!
وصدق الله القائل: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} (فصلت:53) والقائل: {فماذا بعد الحق إلا الضلال } (يونس:32).
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
إعجاز القرآن الكريم