كان أبو حيان الأندلسي الغرناطي من كبار علماء القرن السابع الهجري، تلقى العلم عن كبار علماء الأندلس، ثم قَدِم مصر فأخذ عن علمائها...فكان على علم جمٍّ بالعربية؛ لغة، ونحواً، وصرفاً، وشعراً. وكان فوق ذلك صاحب يد طولى في التفسير، والحديث، وتراجم الرجال، والقراءات القرآنية.
صنفَّ أبو حيان العديد من المؤلفات، التي انتشرت في حياته قبل مماته، وتلقاها الناس بالقبول والرضى...وكان من أهم تلك المؤلفات كتابه "التفسير المحيط" والحديث عنه هو موضوع هذا المقال.
وكتابه المشار إليه مطبوع ومتداول، وهو محط أنظار أهل العلم عامة، وأهل العربية خاصة؛ إذ يُعدُّ -هذا التفسير- المرجع الأهم لمن يريد الوقوف على وجوه الإعراب لألفاظ القرآن ودقائق مسائله النحوية.
فالجانب النحوي هو أبرز ما في هذا التفسير، إذ إن المؤلف رحمه الله قد أكثر من ذكر مسائل النحو، وتوسع فيها غاية التوسع، وذكر مسائل الخلاف فيها، حتى كاد الكتاب أقرب ما يكون كتاب نَحْوٍ منه كتاب تفسير!!
بَيْدَ أن أبا حيان رحمه الله لم يهمل الجوانب التفسيرية الأخرى في كتابه، بل كان يتعرض لغير مسائل النحو؛ كذكره المعاني اللغوية للآيات، والأسباب الواردة في نزولها، ويتعرض أيضًا لذكر الناسخ والمنسوخ، وأوجه القراءات القرآنية، والأحكام الفقيهة المتعلقة بآيات الأحكام.
وقد ذكر أبو حيان في مقدمة كتابه منهجه في تفسير القرآن الكريم، وحاصل منهجه نستعرضه وفق الآتي:
- يبدأ الكلام على مفردات الآية القرآنية، فيشرحها كلمة كلمة، ويبين معانيها.
- وبعد أن يذكر سبب نزول الآية، إن كان ثمة سبب لـنـزولها، يشرع في تفسير الآية كاملة.
- ثم يذكر تناسب الآية مع ما قبلها من الآيات.
- وكان من منهج أبي حيان ذِكْرِ أوجه القراءات القرآنية الواردة في الآية، مع توجيهه لتلك القراءات وفق مقتضيات اللغة العربية.
- ثم إن أبا حيان ينقل أقوال السلف والخلف الواردة في معاني الآيات، ويختار منها ما يراه الأقوى دليلاً، والأصح ثبوتاً.
- وكان لأبي حيان -وهو فارس اللغة- اهتمام خاص ببيان النواحي البلاغية في الآية التي يريد تفسيرها... إذ نجده يبين أوجه البلاغة فيها غاية البيان.
- أما معالجته لآيات الأحكام فهذا من منهجه أيضًا، فكان ينقل أقوال الفقهاء في المسألة موضع البحث، ويرجح منها ما يرى أن الدليل يؤيده، والعقل يصوبه.
- ويُلاحظ من منهج أبي حيان في تفسيره أنه لا يُحمِّل النص القرآني ما لا يحتمل، ولا يخرج به عن ظاهره إلا لدليل يقتضي هذا الخروج، ولذلك وجدناه لا يعرض في تفسيره لأقوال أهل الفلسفة، ولا يُعرِّج -لا من قريب ولا بعيد- على أقوال الفرق الباطنية، التي تعتمد التأويل المرجوح لآيات القرآن الكريم.
والمتأمل في هذا التفسير، يلمس أن أبا حيان رحمه الله كان في منهجه بعيداً عن أقوال أهل الفلسفة، وبريئاً من مذهب أهل الاعتزال؛ غير أنه -في المقابل- لم يلتزم مذهب أهل السنة والجماعة في مسائل الأسماء والصفات، وإن ظهرت عنده بعض اللمسات التي تدل على تمسكه بمنهج أهل السنة والجماعة في ذلك.
هذا، وقد اعتمد أبو حيان في جمع مادة تفسيره على كتاب "التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير" لابن النقيب، كما أنه كان كثيراً ما ينقل عن الزمخشري، وابن عطية، خاصة في مسائل النحو، ويتعقبهما في كثير من المسائل، مع اعترافه لهما بمنزلتهما العلمية.
وحاصل القول فيما تقدم: إن هذا التفسير يُعدُّ من التفاسير المدرجة ضمن التفاسير بالرأي؛ وقد عرفنا أن مؤلِّفه اعتمد أساساً على جانب اللغة العربية، نحواً وصرفاً، في تفسير القرآن الكريم، وهذا للعقل فيه مدخل كما لا يخفى على القارئ.
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
التفسير و المفسرون