الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
زار الأراضي الفلسطينية بعد مجازر مخيمات جنين في العام الماضي وفد من الأدباء والمفكرين العالميين الذي يمثل (البرلمان العالمي للكتاب). وهو وفد يضم شخصيات ثقافية وأدبية عالمية مثل: الروائي الأمريكي راسل بانكس، ورئيس البرلمان العالمي للكتاب وول سوينكا، الحائز على جائزة نوبل للآداب، ورئيس البرلمان البرتغالي السابق خوسيه ساراماغو، الحائز - كذلك - على جائزة نوبل للآداب، وبي داوو (الصيني) وهو أحد مؤسسي برلمان الكتاب، والشاعر والروائي برايتن برايتناخ (جنوب افريقيا)، وكرستيان سالمون (فرنسا) وآخرون مثلهم.
وسجل هذا الوفد ما شاهده على لسان خوسيه ساراماغو، إذ قال: (كل ما اعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا، يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم، أن ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف، لا توجد أفران غاز هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز. هناك أشياء تم فعلها من الجانب الإسرائيلي تحمل نفس أعمال النازي في أوشفيتس. إنها أمور لا تغتفر يتعرض لها الشعب الفلسطيني).
ولا ينبغي أن ينبعث متنطع سياسي أو ثقافي أو إعلامي فيقول: إن تذكر الكوارث، أو تثبيت الذاكرة على الجرائم المروعة، سلوك يعكر أجواء السلام ويجب أن تطوى صفحة الماضي أو يدعو إلى ضبط النفس وتهدئة الأوضاع!! فحتى على افتراض أن سلاماً عادلاً قد يحل، فإن السلام لا يعني إلغاء الذاكرة، مثلاً: الكيان الصهيوني في حالة سلام مع ألمانيا، ولكنه لم ينس المحرقة أو (الهولوكوست).
إن الصهيونية تحرص حرصاً شديداً، وتكافح بكل وسيلة، وفي كل سبيل من أجل أن تبقى المحرقة (حية) في أذهان اليهود، وفي أذهان غير اليهود، وتمنع حتى المراكز العلمية والفكرية في دولنا العربية والإسلامية من تكذيبها أو التهوين منها! بل إن في صور التضحيات المختلفة والبطولات الرائعة ومناظر الدماء والأشلاء التي تسقط من أجل المبادىء والدفاع عن الأوطان والأعراض والمقدسات إنما هي حياة للآخرين، ولذلك قال المفكر الاسلامي الشهيد سيد قطب: (إن كلماتنا ستبقى هامدة كالدمى حتى إذا قتلنا من أجلها دبت فيها الحياة). وكان هناك فيمن قبلنا طاغية جبار ينقم من المؤمنين بالله: أن يؤمنوا بالله وحده لا شريك له، ويصرّ على إرغامهم على الكفر والدخول في دينه، فلما أبى المؤمنون والمؤمنات الأحرار ذلك، شق لهم الطاغية الأخاديد، وملأها بالنيران، فألقاهم فيها، ظناً منه أنه بإلقائهم فيها قد انتهى من أمرهم، بينما انتشرت فكرتهم ودعوتهم بمجرد أن احترقت أجسادهم في تلك الأخاديد! هذه الجريمة سجلها القرآن، فهي قرآن يتلى ويحفظ أبداً.
في هذا السياق أيضا يمكننا أن نحسب استشهاد شيخ المجاهدين والأبطال أحمد ياسين، كما كان استشهاد إخوانه وأمثاله على مرّ التاريخ، ممن قدموا أرواحهم من أجل أفكارهم ومبادئهم، فإذا بموتهم يشكل حياة أخرى لتلك المبادئ التي حملوها قبل استشهادهم.
من حق العرب والمسلمين على إعلامه أن يحيي فيهم قضية فلسطين وأن يربي في الأجيال الرغبة في التضحية من أجلها، ومن أجل استعادة كل المقدسات والديار المسلمة، فواجب علينا أن نخبر أولادنا وأخوتنا وأخواتنا أن لنا في أرض الإسراء أخوة وأخوات وأننا معهم بقلوبنا، بدعائنا، بعقولنا، بأموالنا، لا يهدأ لنا بال ولا يصفو لنا مزاج ولا يحلو لنا طعام أو شراب ماداموا هم عرضة للرصاص اليهودي والغدر الدولي. صحيفة أخبار الخليج البحرينية 11/4/2004